نامي وكهل الحمص وذخيرة الصليب

mazen aboud

مازن ح. عبّود

(كاتب- لبنان)

يقال إنه اقام له نسلا في كل مخيم من مخيمات الرحل، مع فرقة من خيرة رجال تلك الناحية. فالاسمر كان خفيف الدم، لا ينجب الا صبيانا. وافته مرة امرأة طلبا لمشورته في كيفية إنجاب ذكور، فأبلغها أنّ علومه ليست نظرية بل تطبيقية فكان ان هربت، وتوكلت على شفاعة “مار ابن الليمون” أي القديس “بندليمون” الطبيب الشافي. والاسمر كان صاحب رؤيا ويفهم في كل الأمور، ويرى نفسه قديسا وعظيما وزير نساء.

اما “نامي” فقد كان معجباً بنسيبه هذا، وكان ينتظره في كل مساء ليستمع الى تعاليمه، ويشاهده يرتشف كأس عرق ويقيم سكرة على ما توفر من الأطعمة وحبوب حمص منقوعة. وكان يصفق له حين يربط الاسمر شالا على خاصرته ويرقص على أنغام “ام كلثوم” بعد ان يفعل العرق فعله.

مرة اشرب الاسمر “نامي” العرق وقرأ له الكأس، اذ ابتكر الاخير طرقا في قراءة كؤوس العرق. فتوقع الكهل للصبي مستقبلا باهرا ان حالفه الحظ ولم يكن في البلاط في ازمنته اناس يترجمون اندفاعه الى الوالي بمنحى سلبي، فيحلل التفاني ويظهر الحاحاً وتمسي المحبة وصولية والابداع جنونا والصدق وقاحة والغيرة تدخلا فيتم اقصاؤه الى ما تحت الارض.

ما فهم “نامي” مدلولات تكهنات الكهل. واكتفى بالاستمتاع به يكافح كي يكدش ويمضغ محاولا التهام حبة حمص منقوعة، من دون ان يعير أقواله اي اهمية. وكانت حبة الحمص تنساب ما بين اطلال اسنان وانياب، فتصارعها، ومن ثمّ تفرّ، فيلاحقها الأسمر بلسانه وبإصبعه ان عجز اللسان.

ما كان يجذب “نامي” الى الكهل كانت قوته بحيث انه كان يمتلك سلاح ذخيرة عود الصليب المحيي التي قيل إن مفاعيلها اقوى من السلاح النووي، بحيث انّ الخوري “عمانوئيل” اعتبرها “تحمي حتى من الموت، ولها قوة طرد الشياطين”. وقد قيل إنّ الذخيرة التي كانت بحوزة الاسمر كانت عظيمة بحيث انّ قسطنطين الكبير نفسه اشتهاها يوما ولولا همة اهل تلك المحلة الشرسين والشرطي البلدي جريس المرموق، لكان الملك قد امسك بها من زمن، واخذها الى عاصمته.

احبّ “نامي” التقرب من الاسمر علّه يمتلك يوما سلاحا كسلاحه ويصير محبوبا على شاكلته فتأتي اليه النسوة طلبا لمعرفته في استيلاد الذكور والناس كي تتبرك من ذخيرة عود الصليب. ولم لا؟ والصبي لن ولن ينسى كيف دقّ باب الأسمر ذات ليلة، وقد احضر اليه “طوني الآدمي، والشنتير الكبير وجيجو بيجو” صبيا كان مكبلا قيل إنّ فيه شياطين، فطرحوه على قدميه، طالبين معونة سلاحه، وقد علا الصراخ حتى انّ “لولو” حضرت لاستكشاف ما يحصل ووثقت الحدث. ومررت الذخيرة على الصبي المسكون بشياطين زرق، فصار يفرفر كالدجاجة المذبوحة، واشتد صراخه الى ان استكان، فظنّ انه أسلم الروح. الا انّ الشياطين خرجت منه لكنها عادت الى مضيفها بعدما  نزح الى المدينة حيث لا اسمر ولا كهل حمص ولا من يحزنون، فجعلته يعتدي على مسلح ارداه قتيلا.

وشاخ الاسمر واقترب من الموت وصار يصرخ خائفا من مواجهة ربه، فقد كان يخشى الرحيل. فحوّل حياته وحياة من حوله الى جحيم من  دون ان تفارقه النسمة الى ان نزعت من رقبته الذخيرة، فغادر. وقد قال فيه الخوري “عمانوئيل”، الذي كان ينهر النسوة الجاهلات ممن كنّ يشتكين بأنهنّ لا يفهمن عظاته ويدعونه الى البساطة واكتساب الفصاحة وروح الفهم، بأنه “لم يعرف كيف يكتسب قوة الذخيرة التي حملها، فوقع في الموت. فكثر كانوا من يهربون من الصليب طلبا للمجد”.

وكبر “نامي” وتذكر قراءآت كهل الحمص حين اصطدمت محبته وتفانيه بترجمات مستشاري البلاط، احبّ ان يمتلك ذخيرة الأسمر الا انه ادرك انّ التحدي الكبير ليس بامتلاكها كي يقي نفسه شرور الشياطين الزرق بل بتحمل الالام وبدء مشوار النضالات للترقي، فتسكن الذخيرة قلبه ولا يعود يخاف شيئا ولا يحتاج الى شيء فيصير عندها غنياً ومقتدراً.

tree

اترك رد

%d