مازن.ج. عبود
(كاتب- لبنان)
مريم امي أتراني ماذا اضع عند قدميك؟ أأضع ما انا واضع اليوم من تفاهات وخربشات؟ أأضع جرحي وجرح امتي الممتد من المتوسط حتى الصحاري؟ يا ام النور ابقينا في النور.
إني يا سيدة النور اضع عند قدميك ما اعطاني رب الجنود. اضع نفسي وعائلتي وكل ما اعطيت، والرب لم يبخل عليّ البتة، وقد اعطاني شرف المشاركة مع جميع من يؤمنون بأنه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان. واني احيا بالمحبة النازلة من فوق والممتدة مني الى كل العالم بفعل المصالحة والدمع والرماد. احيا من ملح ارضي ولا اتركها البتة لأنها وجه إلهي الممزق. احيا بالمحبة، وبالمحبة تتحقق الوحدة، انطاكية هي، او غير انطاكية. هل نتحد بالنصوص وقلبونا لا ترنو الى المحبة التي هي الله؟
مريم اجعل من جنود هذه الأرض هامات من نور، فلا نعود نغرق في الظلمة، ولا يعود للحرب من معنى، فتتحول سيوفنا الى معاول، وبنادقنا الى ورود، ودباباتنا الى منازل ضيافة، وطائراتنا الى حمائم سلام، وتفيض من مدافعنا ينابيع تتفجر محبة من بطن الأرض تروي العطشان.
سيدتي، يا امّ البشرية الجديدة، اضع على رجليك مشرقنا. وقد كان لنا مشرق، وكان العالم آمنا. كان لنا مشرق، لمّا كنا نرى الاله في المعذب والجائع والمشرد والمسجون، وكان الهنا حيّ يمالحنا ويكلمنا، كان لنا حضارة عندما كنا نحب ونتحسس آلام بعضنا البعض، وكنا نخاطب الأرض، فتهمس في آذاننا الطبيعة اسرارا. كانت لنا حضارة وكانت من نور، والان انطفأت المحبة فينا، فصارت ديانتنا طقوس وممارساتنا شعائر وانتماؤنا من طائفية والغاء، ولغتنا صوّان وكنيستنا من طقوس والحاد وحياتنا من ظلام. ربي اطلع علينا ومضات نور وجهك. لا، لا تحرمنا ربي رؤية نور وجهك.
مريم يا امّ العالم، ها انّ اناسك منسيون يهومون في الأرض بحثا عن هوية، يبحثون عبثا عن سلام مفقود، احبارك وكهنتك يخطفون وشعبك يباد والحضارة في عتمات. مريم الا فاسأل ربك أن يرأف بالإنسانية فننتصر له ولحضارة الحياة، حضارة المحبة!! سيدتي، تحل الذكرى الثالثة على اختطاف مطراني حلب يوحنّا وبولس، وفي الذكرى نسأل هل الموت صمم وخرس؟؟ هل الموت خوف؟؟ في الذكرى نصلي ونترك في لجة الصمت الكبيرة ما تبقى من كلمات.
مريم انّ الفردية تتعاظم والفرادة تنقرض، صرنا فقراء وذلك بالرغم من كنوزنا. فقراء فنحن نحتاج الى كل شيء. صارت الراحة والرفاهية هدفا، ضاعت السعادة وما عاد لحياتنا معنى. قلت النماذج وصرنا نسمع الكثير من الاقوال ونلمس القليل من الأفعال، حتى تعبنا من الكلام الخاوي.
مريم ها اننا قد غرقنا في بحور اوهامنا وقد سعينا الى تحقيق ذواتنا من الامتلاء منها والتفاخر بعلومنا وانجازاتنا ومؤسساتنا، فضاعت المحبة وصارت الخدمة والتواضع قناعا نضعه عند اللزوم. مات الفقير وضاع المشرد ونحر المسجون، ونحن سقطنا. تناسينا انّ تحقيق الذات هو بإفراغها، فوسعّنا البوابات كثيرا، وقعنا في الإحباط والموت. ببساطة قتلنا الآخر فينا فحجبنا عنّا كوة النور.
مريم الا تطلع فإننا نغرق في بحر من نفاياتنا ونختنق في هواء انبعاثاتنا. ففي عصر البشر، يباد الكوكب وتفنى الحضارة. في عصر البشر يدفن الله وينصب الانسان نفسه مكانه. في عصر البشر تطلق الغرائز فتزول الروحانيات والقضايا الكبرى.
مريم اننا غارقون في الضجر والوهم ونبحر صوب الامس والغد هربا من اليوم، نبحث عن البصارين والمنجمين.
مريم، ام النور الا فأنقذ السفينة كما فعلت هنا قديما.
مريم يا امي لا تحزن، فإنك ما زلت حية في نفوس بعضنا وجها لامرأة عرفت معنى الامومة ونغما ودفئا وبخورا وايقونة واما لبشرية الجديدة. مريم نعم مازلت اراك في وجوه أناس كثر مازالوا يتمسكون بحضارتهم وارضهم، يحملون نيرهم بألم ورجاء واعمل ونعمل جميعا من اجلهم، فلا تخذليهم ابدا.