صدر الجزء الأول من سلسلة ” مغاور الوادي المقدس المكشوفة” أخيراً ضمن مشروع المسح الثقافي الشامل لتراث الوادي المقدس الذي تنفذه “رابطة قنوبين للرسالة والتراث”، من إعداد جورج عرب.
يقع الكتاب في 355 صفحة بخمس لغات: العربية والفرنسية والإنكليزية والإسبانية والبرتغالية، وهي اللغات المعتمدة في مجمل إنتاج المسح الثقافي ترجمة لتوصيات المجمع البطريركي لجهة نقل التراث إلى المنتشرين. الإهداء إلى البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي السابع والسبعين، الوفي لزمن قنوبين حيث يستريح البطاركة وشعبهم المؤمن.
إنجاز ثقافي
وصف نوفل الشدراوي (رئيس رابطة قنوبين) الكتاب بالإنجاز الثقافي الضخم لأنه يبرز بالكلمة والصورة، وبلغات الانتشار اللبناني، المواقع التي عرفت حياة بشرية في الماضي لحبساء ونساك ومتصوفين ولأبناء الوادي المؤمنين، وشكلت هذه الحياة مقومات روحانية الوادي المقدس المطبوعة بطابعي الفقر والصلاة، وتقاسم خيرات الأرض والتقشف والتعلق بالإيمان والحرية.
بدوره تحدث وديع العبسي (داعم السلسلة) عن التراث المشترك بين المسيحيين الذي يحتضنه الوادي المقدس، حيث استشهد أورثوذكس وموارنة وسواهم، وعظامهم في مغاور: سيدة حماطورة، عاصي الحدث، مار سركيس في الديمان، مار جرجس في حدشيت، مار توما في حصرون، وفي محابس وادي قنوبين تروي حكاية شهادتهم.
عرض جورج عرب مضمون الكتاب الذي يتوج مسيرة شاقة وجهوداً مضنية بذلت منذ سنوات في أعمال الكشف عن المغاور والمحابس المهجورة، وقد غطاها الشوك والنباتات البرية وسدت طرقاتها، فبات الوصول إليها مغامرة حقيقية في ظروف طبيعية قاسية، أورثت من ثابر عليها أعطالاً جسدية دائمة.
أضاف: “جمعنا أسماء هذه المواقع من كبار المعمرين في وادي قنوبين والجوار. ووضعنا خريطة للوصول اليها كلها داخل الوادي وفي جواره. وقد كشفنا حتى الآن مئة وأربعة مواقع تتوزع بين مغاور ومحابس في بعضها عظام وجماجم وفخاريات وقطع حديدية، وبين طواحين وبيادر تشهد على الحياة الزراعية والاقتصادية الماضية، وبين أمكنة تصنيع الكلس بالطرق البدائية وجمع وتصنيع الحرير الطبيعي إلى ما سوى ذلك من آثار عمرانية متعددة تبرز تجربة حياة الأوائل في الوادي المقدس”.
تابع عرب: “من هذه المواقع حصّلنا رسالة شعب الوادي المقدس وهويته الروحية. لقد وجدنا أجراناً محفورة في صخر المغاور النائية من غير أن توجد حولها ينابيع أو مجاري أنهار، وتبين أن سكان هذه المغاور لجأوا إليها هرباً من الاضطهاد أو للصلاة والتعبد، وليس لديهم موارد مائية لمعيشتهم، فحفروا بأيديهم أجراناً صخرية ليجمعوا فيها مياه الدلفة الشحيحة المتساقطة من سقف المغارة، لكي يحفظوا إيمانهم وحريتهم. هذه هي الرسالة الكبرى التي يمكن استخلاصها من عملنا الطويل لكشف مغاور الوادي المقدس في زمن التهافت على الاسراف في التملك والاستئثار بخيرات الأرض”.
رسالة الوادي المقدس
بخصوص المواقع الواردة في الكتاب فهي 34 مغارة ومحبسة وطاحوناً وموقعاً عمرانياً، وضعت لها دار الهندسة (الشاعر) خريطة بأمكنتها في نطاق الوادي وداخله، بدءاً من مغارة سيدة حماطورة إلى قنيور فحدث الجبة وبريسات والديمان، نزولاً الى وادي قنوبين، وشرقاً الى مغارة الفضة في وادي حدشيت. لكل منها نص مفصل عنها وبموجوداتها وخصائصها ومعاني أسمائها مرفق بصور ملونة رائعة تنشر للمرة الأولى.
بعض هذه المغاور لها طابع استغواري، مثل: مغارة حماطورة، مدخل الوادي الغربي لجهة قضاء الكورة، مغارتا المحبوس والقنطرة في حدث الجبة، حتيفة صعب والزنبقة البيضاء في وادي قنوبين، مغارة الفضة في نطاق حدشيت. وللبعض الآخر خصوصية طبيعية تحمل آثاراً عمرانية لحياة بشرية، مثل: مغارة الحليان في بريسات، بيت بو موسى، بخور مريم في الديمان، دروب القمر والبومة والشلقة في وادي قنوبين، ولبعضها خصوصية روحية مثل: محبسة مار اسطفان التحتا، مدفن مار يوحنا في الديمان، مغاور وادي الطواحين في حدث الجبة، المحبسة، قطين العبد في وادي قنوبين حيث العظام والفخاريات، بالاضافة إلى طاحوني حدث الجبة وقنوبين، وقمين تصنيع الكلس في لوادي مع لمحة تاريخية عن عهود بناء هذه المواقع، كذلك توجد مغارة المأذنة، وتسميتها تفتح باب البحث في علاقة المتصوفين المسلمين بالموقع.
الجزء الثاني قيد الإصدار ويتضمن 35 موقعاً في وادي قنوبين والديمان وحصرون وبزعون وبقرقاشا وبشري وحدشيت، لتبقى المواقع الأخرى للجزء الثالث، وتغطي الجانب الغربي من الوادي المقدس نزولاً من وادي قنوبين إلى نطاق دير قزحيا وإهدن. السلسلة الكتابية هذه المدعومة من السيد وديع العبسي توزعها رابطة “قنوبين للرسالة والتراث” مجاناً داخل لبنان وخارجه، بآلاف النسخ، على المرجعيات الروحية والزمنية، من سفارات وجامعات ومراكز ثقافية وسواها، تعميقاً للهوية الروحية التي طبعت حياة أهل الوادي المقدس، نساك محابسه ومغاوره، هذا هو الهدف الأبعد لمشروع المسح الثقافي الشامل لتراث الوادي المقدس، الذي يرعاه ويواكبه بعناية واهتمام كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والبطريرك الكردينال بشارة الراعي بعدما أطلقاه رسمياً في 18 آب الماضي من الديمان.