عريجي: محاولة تؤسس مع سواها قفزة تجدد في واقع الرواية اللبنانية
وقع الكاتب مازن عبود كتابه “كفرنسيان”، في بلدية بيروت، برعاية وزير الثقافة ريمون عريجي، ضمن أنشطة اليوبيل الثمانين لادارة حصر التبغ والتنباك،
بعد كلمة تقديم لجورج نجم تحدث فيها عن الكتاب وما يتضمنه، ألقى القاضي مروان عبود كلمة قال فيها: “هناك عند منعطف الألفية الثالثة بين جبال العز والفرح وقرب وهدات الحزن والألم، تأسست كفرنسيان، قرية من نسج الخيال تتطابق وواقع بلدة نشأت فيها وإخوتي. كنا ما كناه، غير أن الواقع أضحى ذكرى وابتعد ليترك وراءه قصصا تروي حكاياتها على لسان أبطالها، هي كفرنسيان برهوم وإخوته، ففي بال أم برهوم طيف ونغم وقصة بيت وقصة مختار وقصة عواصف وثلوج في زمن الميلاد، وقصة أنجول والرجل المحارب الباتايون، وشحودة ورحيل الجدة وسبع الغاب حينما فر من الموت وكيف تسلل جبور إلى السماوات وطارق الباب وغيرها من القصص والحكايات المروية على لسان أبطالها، شخصيات عاشت في الواقع، وأضحت في الحلم بفضل الرحيل وتبدل الأحوال”.
أضاف: “وكم كانت مكلفة تلك الحكايات، فكل مقالة وكل قصة منها كانت تكلفنا شجارا ونقارا في كفرنسيان الوادعة، خصوصا عندما تغزو الشكوك رؤوس أصحابها فيخالون انفسهم أشباه شخصيات كاريكاتورية في قصص برهوم، وكانوا يتوافدون إلى منزل أمه لمعاتبتها، وكانت الأم تواسيهم وتهدىء من روعهم، غير أن نظراتها كانت تلدعنا بإشراقات العتاب”.
وختم: “رحلت أم برهوم، ورحلت شخصيات كفرنسيان، فماتت الجدة، وسبع الغاب لم يقدر ان يفر من الموت، جبور تسلل إلى السماوات، ومنيرة هجرت شباكها لتلعب على الفيسبوك، غير أن ما بقي يكفي وحده ليجلب الذكرى ويخبرنا كم احتجنا لحكاية قصة، قصة محلة أضحت رمزا لوطن ذهب، ولم يعد”.
سقلاوي
وألقى المدير العام – رئيس لجنة إدارة حصر التبغ والتنباك المهندس ناصيف سقلاوي، كلمة قال فيها: “في لحظات سقوط وتداعي هيكليات مجتمعات ودول ومؤسسات تحت عناوين الجهل والتخلف، نحتفل نحن في هذه الامسية بتوقيع أثر أدبي هو كتاب “كفرنسيان”، وهو المولود الخامس بين مؤلفاته بريشة ومحبرة الاديب والاكاديمي الجامعي والناشط البيئي والاداري المحفز على التنمية المستدامة، أعني به الاستاذ مازن عبود، الذي انعقدت لطفولته ملاعب الساحات في دوما، حيث امتشق وامتطى صهوة الغيم مرارا، وقدأاخذه إلى أبعد من الخيال، إلى حدود وتخوم الأسطورة قبيل مرحلة الحرب اللبنانية. ولقد نشأ في كنف والدين، حرصا على توريث أبنائهم ما لا ينفد وما لا يسرق، أي ينابيع العلم والمعرفة، فكان القاضي مروان رئيس الهيئة العليا للتأديب، ومازن والدكتورة ميرنا ومايا”.
أضاف: “ظن مازن بادىء ذي بدء، أن حدود “دوما” هي حدود الدنيا، لكنه سرعان ما اكتشف ضلال هذا الظن فكسر قضبان سجن المناطقية من دون أن يفقد ارتباطه بجذوره الضاربة عمقا في أرض دومته. مازن عبود عضو لجنة الادارة في إدارة حصر التبغ والتنباك، درس المهندسة الزراعية في الجامعة الاميركية في بيروت، من حيث تعلم كيف تتعمق الصلة مع الشريك الآخر في المواطنة وفي الانتماء المشترك الى الأرض والماء والهواء”.
وتابع: “مازن عبود معلم ومرشد ذاته بذاته، مشاكس حينا، وديع وهادىء أحيانا، متنوع الانشطة: من العمل البيئي الشغوف به إلى درجة التصالح مع موقعه في ادارة الحصر، لما أدرك (بقراءة تاريخية) دور شتلة التبغ في الحفاظ على هذا اللبنان الذي نحبه عصيا على الاحتلال والتصحر، هو متفان في آدائه الاداري ومتفاعل مع فريق الإدارة بهدف تقديم أفضل نموذج للمرافق العامة، وكي نضمن للمزارع فرصة البقاء والاستمرار في تفعيل استثمار أرضه، ومنعا للنزوح القسري إلى أحزمة البؤس في المدن، وصونا للهوية التراثية والسلوكية الاجتماعية لهذا المزارع، وهو مع كل إخوته في لجنة الادارة التي لي شرف رئاستها يشكلون لوحة إدارة التبغ التي نحرص عليها ناصعة، براقة وجميلة”.
وأردف سقلاوي: “مازن عبود الأكاديمي الجامعي هو أستاذ لمادة التنمية المستدامة في جامعة الحكمة، وضع حتى الساعة خمسة مؤلفات في الأدب والتاريخ والبيئة والتنمية، آخرها كتاب “كفرنسيان”، الذي نحتفل بولادته اليوم، فالكتابة أضفت وأضافت الى حياته قيمة مضافة، وهو مدمن عليها في استزادة منه لفهم الإنسان، لأن الادب ليس إلا فهم الانسان، وهو بعيد كل البعد عن الطائفية والتموضع، وهو نهج ثقافي ووطني نفتخر به في إدارة الحصر التي تطفىء شمعتها الثمانين في هذه السنة”.
وختم: “مازن عبود يحاكي الارض التواقة بأخضرها الى أعالي السماوات، كما هي شتلة التبغ رمز الصمود والتجذر والمنعة والمقاومة. أدبه من طينة هذه الحكايات والقصص التي تستعير الريف مسرحا لها. إنه ابن مؤسستنا الزاخرة والزاهرة بمواهب أبنائها التي نعتز بها ونحاول تظهيرها في عيدها الثمانين، مؤسستنا التي يجب أن تبقى ومضة مضيئة في ذاكرة حاضر ومستقبل هذا الوطن. بوركت ريشتك الخلاقة، مازن، وجد علينا بروائع نتاجك من أجل لبنان وطنا مشعا لجميع أبنائه”.
شبيب
وألقى محافظ بيروت القاضي زياد شبيب كلمة قال فيها: “نلتقي اليوم حول مائدة فكرية لها بعد روحي راجح، أعدها صديقنا مازن عبود. ومن يعرف مازن عبود ويعرف تنوعه المهني وتعدد اهتماماته، ومن يعلم أيضا أصالته الروحية وشفافية تعبيره عن التساؤلات الوجودية وقناعاته المتكونة عبر هذه التساؤلات، ومن لا يعرفه أيضا، يرى مازنا، ساكبا نفسه كما هي، في سطور كتابه”.
أضاف: “يخاف مازن عبود على كفرنسيان خوفا وجوديا بقدر تعلقه بسوقها العتيق وحارات قرميدها وبأشخاصها الراحلين بالجسد والباقين حيث هم في قصصه. كفرنسيان وهي المشرق أيضا عند الكاتب، هي موطن تأمله وقد رأى الخطر محدقا بها عندما بارت أرضها وتخلى عنها أبناؤها وأضحى شباب كفرنسيان “يأملون كثيرا ويعملون ويجاهدون قليلا”، وبعد ان تزايدت الهوة بين “التقدم التكنولوجي والتقدم الروحي”، وصار أهلها لا ينظرون إلى وجوه بعضهم، وهذه كانت جهنم برأي الكاتب. وتستمر الحياة رغم ذلك في كفرنسيان، فقد داس أهل تلك القرية على الإحباط بالوهم وعبروا إلى المشتهى على سلالم من خيال وامتزج اللاواقع بالواقع”.
وتابع: “يطرح مازن عبود أسئلته الوجودية وينثر خلاصاته الفكرية والروحية في سياق قصص البسطاء من الناس وحكايات الطفولة في الضيعة، هذه الضيعة التي لم يرحل عنها يوما ويطمح أن يحلق نسرا فوق جبالها. لم يولد مازن عبود في دوما صدفة، بل لهدف معين. ففي يقين جماعته أن لا أحد يوافي هذا الكون هكذا، بل ثمة من يدفع بمشاريع البشر الى مسارح الحياة في مشوار الترقي، “ومن يترقى يولد نسرا حين يموت”، فيحلق في تلك الضيعة بعيدا، ولولا النسور لكانت تلك البقعة سقطت وأضحت موطنا للغربان. أحد هذه النسور هو جده الذي أمسكه يوما وسأله أن يركع مصليا، أن يهبه الاله روح القمم فلا ينزلق الى الشهوات، وأن يصير القمة بفضائله وأن يكون حرا أبدا”.
وأردف محافظ بيروت: “في نقده للاكليروس عبر بعض الصور والشخصيات التي تمر في حكايات كفرنسيان، يذكرني مازن عبود بالفيلسوف الروسي المؤمن نيكولاي برديايف الذي عاصر الثورة البولشيفية وواجه المؤسسة الكنسية، لكنه بقي مؤمنا رغم نفيه مرتين، الاولى شرقا الى أقاصي سيبيريا، والثانية غربا إلى فرنسا. فهو من الناس الذين يسمعون أقوالهم ولا يفعلون أفعالهم، أو أفعال بعضهم. ولم تكن يوما هذه الأفعال عثرة أمام الكاتب في مشوار الحياة الذي يختصره على أنه رحلة صلاة. كيف لا؟ وبرهوم الشاب المصلي في الكنيسة خارج كفرنسيان رأى هناك رئيس أحباره ساجدا خاشعا يعتصره الألم على ما أصاب القطيع الصغير. وكانت أصوات المرتلين محملة بالكلمات والقصص والرجاء تدخل خياله وتستقر في وعيه وتشكل هويته. “فالشاب وريث حضارة عظيمة بدلت العالم بالمحبة”، الحياة إذا مشروع ارتقاء، القمة فيها في داخل الإنسان الذي يصير فيها بفضائله ويحلق كالنسر فيها إذا لم ينزلق في هوة الشهوات، إذا تعلم أن يكون حرا أبدا. لا شك في أن يوحنا السلمي كاتب “سلم الفضائل ” هو أحد ملهمي صديقنا مازن عبود”.
وقال: “أكثر ما يثير الإعجاب في فكر الكاتب هو الحرية، فهي عنده حرية داخلية. ورغم حضور هذه الحرية القوي في كتابه لم تخرج عن هذا المفهوم أبدا ولم تأخذ أي بعد سياسي أو قانوني أو اجتماعي، هي الحرية من الذات إذا، وهي الحرية “التي لا ترتبط بالأمكنة، إنما هي حالة يكتسبها الإنسان في جهاده كي يصير أفضل”، وبذلك يلتقي مازن مع نيكولاي برديايف مرة أخرى. هي قوة الارتقاء إلى القمة، وبذلك يظهر الكاتب مجبولا بالأدب النسكي وبتجربته التي سبقت الزواج الى الجبل المقدس، جبل آثوس”.
أضاف: “أنت راهب في زواجك يا مازن، وقفت يوما على مفرق الدير، وسلكت دربه من دون أن تعلم أو ربما علمت بأن الحياة في هذا العالم، الذي غلبه سيدك، ممكنة، فآثرت الحياة في العالم ناسكا، مجاهدا روحيا، كاتبا تجربتك ومعاناتك وآلامك ونشوة الحرية والانتصار على الذات”.
وختم: “أنا لا أخاف على كفرنسيان وهي المشرق عندك، ما دام فيها تراب جدك ووالدتك وتراب جبور الذي تسلل الى السماوات بعد أن عاش في الارض وصام بخفر وعمل بصمت، والذي حين رقد حزن عليه الجميع، ورشت نجيبة على تابوته كيلوغرامين من الرز المصري الممتاز، وألقى الخوري عظة رنانة أحبها الناس للمرة الاولى. أنا لا أخاف على كفرنسيان طالما أنها تشهد، وفي عام واحد، الحب والولادة والموت، كما جاء في رسالة برهوم إلى أمه التي رحلت بعد أن وجد الحب وتزوج ورأت أمه مولوده الاول. أنا لا أخاف على كفرنسيان ما دام فيها برهوم المرهف والمجنون والخلوق والحالم حتى الثمالة”.
وزير الثقافة
وألقى الوزير عريجي كلمة قال فيها: “كفرنسيان مجددا، نفيء إلى ضيعة منسوجة في خيال، حكاياتها بين المنتظر ومن خزانة الذكريات، يطل عليها مازن عبود، في مجموعة اقاصيصه ووجوه ابطاله، في ترميزات الذاكرة والتشبث بتلك الجذور، التي شكلت تاريخ مرحلة من حياة، وصور انتماء يخاف الكاتب من زوالها ومن ذلك الضياع. مازن عبود في “كفرنسيانه”، واقف على هضبة ترابات، متحسسا جذور الانتماء متطلعا إلى أحلام وزمن آت بكل التوجس والقلق والترقب. أدب ساخر مطواع، يطأ عبره كاتبنا في غير اقصوصة، مربع العبثية السوداء وكأن لا خلاص. وسرعان ما يرجع الى أمان الذاكرة واحتفالات الضيعة في أعراسها ومواسمها وقامات شخصيات يحركها دعما للفكرة وترسيخا للنص، لابراز هواجس الوجودية واستحقاقات الحياة وأسئلة الرحيل وانتظارات الفردوس الموعود”.
أضاف: “إلى ذلك، مازن عبود معبوء برذاذ الحنين الى صور الطفولة وسحر الامكنة وعبق البخور ومواعظ خوري الضيعة ورموز مسارات الايمان والطقوس… ويقفز الى متاهات العولمة وهموم الرأسمالية المتوحشة وفضاءات التواصل بين البشر والمعلوماتية الرابطة سكان الكوكب، وصولا الى أخبار الحروب والاحتباس الحراري ومؤتمرات البيئة وسائر التحديات التي يواجهها انسان اليوم. جميل هذا التمازج بين محفوظات الذاكرة وتحديات واقع الهواجس التي يحملها غد مجهول الملامح”.
وختم: “في ثنايا جديد مازن عبود، عبق ريف بالبال والذاكرة والوجدان، نتشبث بنقائه وجمالاته، ودوما التي منها طالع كاتبنا، مثال للفضاء التراثي النموذجي الحي الذي نعتز به في لبنان، عمارة وهندسات وقراميد ومراكز حرفيات، وانسانا وشخصيات نسج منها مازن عبود “ابطال” اقاصيصه…”كفرنسيان”، عنوانا ومضمونا، محاولة جادة في مسار الادب اللبناني، تؤسس مع سواها قفزة تجدد في واقع الرواية اللبنانية”.