هل هي مجرد أحد أوجه الصراع الأيديولوجي..؟ تصريحات أمين الزاوي المعادية للجوائز الأدبية العربية

abou younes el tayeb

أبو يونس الطيب

على هامش  الندوة التي نظمتها جمعية الكلمة للثقافة والإعلام بالجزائر العاصمة يوم الأربعاء 9 مارس 2016 لمناقشة رواية ” كاماراد ، رفيق الحيف والضياع” لأحمد الصديق الزيوان أدلى الأديب الكاتب أمين الزاوي بتصريحات معادية للجوائز الأدبية العربية الكبيرة كجائزة كاتارا القطرية وجائزة البوكر العربية الإماراتية معبرا في هذا الحوار عن استيائه من المال الخليجي الذي صار في نظره خطرا يتربص بالرواية العربية بل وبالمثقف العربي و الثقافة العربية.

أكد  أن هذه الوسيلة الخليجية حاصرت النخب التنويرية في مصر، وهاهي اليوم تحاصر النخب المثقفة في المغرب و تونس والجزائر ، بعد أن فعلت الأمر نفسه في لبنان وسوريا وفلسطين. ويرى أن دول البترودولار أغلقت أفواه المثقفين العرب وعقدت ألسنتهم وقطعتها مضيفا بان هناك روائيين جزائريين لم يذكرهم بالاسم القوا بأنفسهم في أحضان البترودولار فتحولوا إلى مجرد بيادق وعبيد في يد أصحاب المال بالخليج فضاعت هيبة المثقف ودوره التنويري حسب تصريحه

ويرى أن هذه الجوائز الأدبية العربية الموجهة للشعر والرواية مشبوهة لان عملية التقييم والانتقاء  في نظره لا تستند إلى وسائل علمية موضوعية  بل يراها تعتمد أساسا على الولاء السياسي والتناغم المصلحي  معتبرا كل الأعمال التي فازت  بهذه الجوائز ليست ذات قيمه لان ولا عمل واحد من هذه الأعمال تضمن انتقادا لملوك و حكام الخليج

أن مثل هذه التصريحات المعادية لكل ما يتصل بالعربية كلغة باتت معتادة من الكثير من أدبائنا ولكن في الحقيقة لسنا ندري ما سبب هذا الاستعداء الذي صار الأديب أمين الزاوي يجهر به في كل مناسبة ضد كل ما هو عربي لغة وشعبا ’ خاصة منها ذات التوجه الإسلامي , لكني اليوم ربما أكون قد وجدت في تعليق أحد القراء جوابا سأعتبره كافيا شافيا لان هذا القارئ ببديهية ومن دون ما تحليل أكاديمي ارجع ذلك إلى فشل الأمين الزاوي أدبيا في نيل جائزة من هذه الجوائز وفعلا  فان هذا التصريح الأخير سيفسر الكثير من الجوانب الغامضة التي أدهشت الكثير من المتتبعين للشأن الأدبي الجزائري خاصة هذا الإفراط  الذي بات الكاتب أمين الزاوي ينتهجه في إصدار أحكام جائرة حتى صارت تلازم  تصريحاته في كل مناسبة خلال السنوات الأخيرة . ويعتبر  ميوله ميلة كاملة نحو الغرب وتنصله من العربية.

فقد اتهم أمين الزاوي اللغة العربية بالقصور مقترحا دمجها بالعامية لإثرائها مدّعياً أنّها من غير ذلك ستزول من الوجود! لكن  حين  قدم له الأديب الناقد مولود بن زادي في صحيفة القدس العربي وفي صحف أخرى وفي موقع الرواية الجزائرية  أدلة دامغة على أن العربية أكثر ثراء من غيرها وأنها قادرة على مواكبة التطور في كل المجالات والميادين  وأن الكثير من مراكز الدراسات اللغوية يؤكد خلودها، مطالبا اياه بالرد وتقديم أدلة على ما ذهب إليه، فإن أمين الزاوي لم يعرف الردّ على مقالة الكاتب والمترجم واللغوي مولود بن زادي صاحب معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية، ولم يحرك ساكنا واستمر في معاداة اللغة العربية من غير أدلة ولا شواهد ولا حجج منطقية!

وها هو قبل يومين فقط يدعي مرة أخرى ومن غير أدلة أن المتتبع للشأن الأدبي العربي يرى أن منذ عام 2005 دخلت رؤوس الأموال الخليجية إلى سوق الجوائز الأدبية  فكانت  الجائزة العالمية للرواية العربية  التي أطلقتها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في الإمارات  بشراكة مع مؤسسة جائزة البوكر البريطانية. فساهمت في إثراء المشهد الأدبي العربي مستقطبة بقيمة جائزتها المالية الكبيرة عددا هاما من الأدباء والكتاب وفي نفس الوقت زادت من إقبال القراء على الأعمال الأدبية المرشحة باعتبار التتويج عمل إشهاري  يستقطب القراء “الزبائن” ويدر أموالا طائلة على سوق النشر , وليست الإمارات  وحدها  التي استثمرت في الميدان الأدبي بل هناك قطر و جائزة الكتارا , ثم الكويت لديها جائزة البابطين للشعر العمودي الكلاسيكي ، وفي السعودية، جائزة الملك فيصل العالمية التي تمنح أحد فروعها إلى اللغة العربية وآدابها،

كل هذه الأموال لا شك في أنها ساهمت شكل كبير في رفع مستوى الأدب العربي في محاولة لإعادته إلى مساره الطبيعي والى أصوله انطلاقا من التراث العربي الأصيل بعد أن عرف ركودا بل انحرافا في تماثله مع الأدب الغربي فلم يتأثر به أو يوازيه فقط بل صار يخدم أجنداته الاقتصادية والسياسية على حد سواء في غياب اطر ومؤسسات تقيه الشذوذ والانحراف .

فإذا كان أمين الزاوي بما يحمله من إيديولوجيات غربية أعلنت فشلها يرى في هذه الانجازات العظيمة التي ستخدم اللغة العربية وتعمل على تطويرها والرفع من مستواها لمسايرة واقعها العربي دون أن تنفصل عن ذاتها هي حصار في نظره من المال العربي للأديب فلا يسعنا القول هنا إلا ما قاله المعتمد:”رَعْيُ الجِمال خَيْرٌ من رَعْيِ الخَنازِيْر”

ورغم أن الأديب الزاوي يلقى بالتصريحات هكذا جزافا دون توضيح إلا أنني شخصيا سأعتبر ما قاله لا يخرج عن نطاق تفسيره لتاريخ البشرية بالصراع بين البرجوازية و البروليتاريا (الرأسماليين والفقراء) الذي يؤمن به ككل صاحب أيديولوجية مماثلة .

ودون الغوص عميقا في جذور هذا التيار المعادي فان المعطيات التاريخية تؤكد انه بسبب ظروف سياسية وتاريخية مرتبطة بالاستعمار الأوروبي للبلدان العربية تمكنت الأيديولوجية الشيوعية من الانتشار بالعالم العربي واستحواذها على المجال الثقافي خاصة ببلدان المغرب العربي. فحاصرت كل ما هو قومي إسلامي باستيلائها على منابر الثقافة والإعلام. ولعوامل سياسية معروفة عقبت الاستعمار احتل مثقفوها مواقع ذات تأثير على الثقافة مكنت لهم الترويج لأفكارهم وتمظهرت هكذا بطابعها السياسي المتسلط في جل اﻻعمال الأدبية (شعر.مسرح .رواية .قصة ) من خلال إقصائها لكل الأيديولوجيات الأخرى ففي عالم الرواية مثلا وصل تسلطها حد التجني فلم تكن مجرد رؤية تؤطر عملية الحكي وإنما كانت عملية هيمنة سياسية  Une politique domminante مفضوحة وهو ما جعلها تفقد قدرتها على وضع نفسها في المستوى لأنها لم تتجرد من نزعتها البركماتية في صراعها الوهمي مع إيديولوجيات هلامية تظهر دائما ضعيفة بليدة في كتاباتهم  فيتغلبون عليها دون عناء سردي  فتتجسد كايدولوجيا سياسية متسلطة لا تعترف في متونها الحكائية بمزايا أي أيديولوجيا أخرى لأنها كانت تبغي التمكن من القارئ العربي لأنهم اعتقدوا  من فوقيتهم أن القارئ العربي الآخر غير اليساري “مجرد كائن سلبي تُلقى على ذهنه النصوص فيتقبلها ويستجيب لها دون إدراك واع لمقاصدها. لأنهم لا يؤمنون بان التلقي هو اجتهاد أيضا يوازي اجتهاد المبدع ” * فهم يعمدون انتهاج الانتصار السهل دون صراع أيديولوجي حقيقي بين شخوص و وتيارات الرواية في منافسة غير شريفة وبذلك انكشفت وتعرت أيديولوجيتهم ولم تستطع استقطاب الأجيال العربية المتعاقبة في كل مجالات الأدب رغم ان بعض الروائيين والشعراء حاولوا ان يصنعوا من التراث العربي منطلقا لهم من خلال توظيفه في أعمالهم ولكنهم في النهاية صنعوا من الرواية مجرد نصوص ومقالات سياسية دعائية فلسفية مبعثرة تربطها مشاهد جنسية تتميز بالتفاصيل أو مجرد “نص متعة ” كما يصفه رولان بارت بالنسبة لليساريين أو الباحثين عن مشاهد الجنس.

رغم أن بدايات ظهور تيار اليسار على الساحة السياسية والثقافية يُعد أقدم من غيره من التيارات الوطنية والإسلامية  إلا انه فشل فشلا ذريعا في محاورة الواقع العربي لأنه ظل يخدم أجندات اقتصادية وسياسية غربية (روسية صهيونية) ولاشك أن القارئ العربي سيدرك مقاصد دعوى الأديب أمين الزاوي بشان دور المال الخليجي في تعطيل النخب التنويرية  التي لم تكن فقط بسبب إخفاقه في الوصول إلى العنب ولكن أيضا للدفاع عن إيديولوجية باتت مهزومة سياسيا وثقافيا لان الحقيقة وبعيدا عن الصراع الأيديولوجي تفضي إلى أن المال العربي في هذا المجال بالذات قد استعمل كوسيلة إغرائية وتحفيزية للنهوض بأدب الأمة فساهم مساهمة فعالة في تسريع دواليب الحركة الأدبية العربية ونشرها وتسخير الوسائل الإعلامية في الدعاية لها ودأب أصحابه هكذا إلى احتلال المواقع ذات الصلة بالأدب في العالم وهذا التوظيف للمال لا يعاب عليه في شيء  لان المد الشيوعي ولفترة طويلة من الزمن استعمل بطرق غير شرعية  المناصب السياسية والوظائف كوسيلة إغرائية لاستقطاب الأدباء واستغلال ملكاتهم الإبداعية في الترويج لأجندة سياسية تعادي مقومات وثوابت شعوبهم وهو زمن قد ولى ,لكن الغريب هو ان التيار اليساري الذي أعلن فشله حين فكك ذاتيا نظمه السياسية المبنية على أسس ثقافية خاطئة  تحت ضغط البروليتاريا التي استعملها كسلم لفترة طويلة من الزمن لبناء أنظمة سياسية اثبت الزمن ديكتاتوريتها رغم ذلك مازال ينظر إلى كل ما هو عربي إسلامي نظرية معادية  وان ظهور هذه منابر الأدبية العربية التي باتت تضاهي المنابر الأدبية الغربية من حيث الجوائز والمستوى والملتقيات أصبحت تقلقه لأنها أعلنت انفصالها عن ذلك التوجه ,ما أدى بالكثير من أدباء هذا التيار  من العرب إلى اللجوء والاحتماء بالغرب وإعلان الطاعة والولاء بحثا عن تعاطف فرانكفوني يجانبهم في حربهم الأيديولوجية الخاسرة وما من شك أن  الأدباء والروائيين الجزائريين الذين ارتموا في أحضان أصحاب المال بالخليج العربي حسب زعم الأديب أمين الزاوي خير بكثير من أولئك الذين يلقون بأنفسهم في أحضان أمم تعادي كل ما يتصل بثوابت أمتهم

    تيارت 10 مارس 2016

د .محمد مبارك استقبال النص عند العرب ص 37.

                               

اترك رد