إيلي مارون خليل
(أديب وشاعر- لبنان)
تهتمّ بكتابٍ جديدٍ، في مثل هذه الأيّام الجهنَّميّة!؟
أهتمّ بالكتاب، نعم، وكثيرا، خصوصًا في مثل هذه الأيّام الجهنّميّة والحائلةِ ألوانها! وأهتمّ له، في الآن نفسِه.
فمَن لا يهتمّ بالكتاب، لا يهتمّ بنفسِه، ولا لها!
إهتمامي، أنا الإنسان، بالكتاب، يُهَندِسُني: نفسًا وروحًا وجسدًا، حاضرًا ومستقبلًا. ويَصقُلُني، بعنايةٍ ودرايةٍ، يسكبُ عليَّ النِّعمةَ الأشمل، به أُحدِّدُ رؤيتي لنفسي، لعائلتي، لمجتمعي، لوطني، للإنسانيّة، يُساعِدُنا فنسمو ونرقى. أوَلم يكن، في البَدء الكلمة الّتي عند الله، وقد تجسّدت من أجل الخلاص، والّتي بها كان: فرديًّا وجَماعيًّا!؟
وأهتمّ له، أنا الإنسان، لأعرفَ قيمتَه وفضلَه. فهو المُقَوِّمُ الإنسانَ، المؤصِّلُه في القِيَمِ، المُرَسِّخُهُ في التاريخ، مَنارةَ الأجيال، الموحي إليه آياتِ الخيرِ الحقِّ الجَمال. أهتمُّ له، أقدّرُه: نِتاجًا ودَورًا. هو نِتاجُ الرّائينَ، المُتَنَوِّرين، المُستهدين؛ مَن يجعلوننا نرى أبعدَ ممّا يتراءى، أعمقَ ممّا يبدو، أرقى ممّا هو كائن! إذًا، هو نِتاجُ النُّخبة!
وأهتمّ للكتاب لكونه يبني مجتمَعًا راقيًا، وحضارة إنسانيّة خالدة تُسهم في التّطوّر التّدريجيّ الدّائم، والتّجاوز المستمرّ. تجاوز الذّات، فرديّة وجَماعيّة؛ وتجاوز الحضارة نفسِها إلى ما يسمو بها متخطّيةً ذاتَها، مؤسّسةً لبناء مكين أساسُهُ القِيَمُ ومنها الحقّ والخير والجمال، ثالوثُ الكمال والمِثاليّة. أوليس العالَم، العالمُ المُضيءُ، كتابًا، وكتابًا نَفيسًا!؟
وأهتمّ… لأستفيد وأتسلّى، أو أحيانًا، لأتسلّى وأستفيد! وكلاهما: الإفادةُ والتّسليةُ، بابٌ مُشْرعٌ لا يُفضي إلّا إلى السّعادة، غايةِ الإنسانيّة الأساس.
أنتَ تقرأُ كتابًا؟ يعني أنّكَ اكتسبْتَ فكرَ سِواك، إلى فكَرِك أضفتَه، فأصبحتَ أغنى ممّا كنت! وهكذا، فبالكتاب، بعدَ الكتابِ، تحصد ما لك وما لسواك، فتغنى، تنتعش نفسُك، يَطيبُ نفَسُك، فتحلو في عين الوجود، لتبدو، بين النّاسِ، قائدا ومُلهِمًا.
ولم لا!؟ فالكتّابُ أنبياءُ أقوامِهِم!
(ألجمعة 26 شباط 2016)