بلال حسن التل
(كاتب-الأردن)
لذكرى معركة الكرامة هذا العام طعم خاص، لأننا نعيش طعم انتصار جديد حققته قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية في عملية اربد الأمنية، التي أحبطت مخططا تخريبيا كبيرا، كان يستهدف أمن بلدنا واستقراره، وبين العدوين في الكرامة واربد خيط رفيع من الحقد والجهل في الكيد لهذه الأمة.
كذلك فإن بين انتصار الكرامة وانتصار اربد جوامع مشتركة كبيرة، علينا أن نبني عليها، وأولها روح النصر والتحدي التي سادت بلدنا وشعبنا بعد الانتصارين اللذين حققهما نشامى الجيش والأجهزة الأمنية، اللذين يشكل الالتفاف حولهم أهم مكونات وحدتنا الوطنية، وأبرز عوامل شد عصبنا الوطني، من هنا فإن علينا جميعا أن نقف بالمرصاد لكل محاولات الفت من عضد وحدتنا وإضعاف عصبنا الوطني، عبر بث أقاويل وإشاعات وتفسيرات تخدش صورة الانتصارات والإنجازات الوطنية وآخرها العملية الأمنية في اربد.
وإذا كانت روح الانتصار هي التي يجمع بين المناسبتين، أعني الكرامة واربد، فما يزيد من أهمية النصر الذي تحقق في الكرامة ثم في اربد أن كلاهما شكل انعطافاً تاريخياً في مسيرة الصراع مع العدوين الصهيوني والتكفيري، ففي الكرامة حقق الجيش العربي الأردني أول انتصار عسكري عربي حاسم على العدو الصهيوني كاسراً أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وبهذا يكون الجيش العربي الأردني أول من حقق انتصارا حاسما وأدخل العرب عصر الانتصارات، دون غيره من الذين يدعون أنهم أول من حقق انتصارا على العدو الإسرائيلي، وهذا ليس قولنا نحن ولكنها اعترافات العدو وغير العدو.
والفضل ما شهدت به الأعداء، من ذلك اعتراف رئيس أركان اسرائيل آنذاك، بأن اسرائيل فقدت في هجومها على الكرامة ثلاثة أضعاف ما خسرته في حرب حزيران، واعترافه أيضا بأن معركة الكرامة كانت فريدة من نوعها، إذا لم يتعود الإسرائيليون على مثل هذا النوع من المعارك، فقد كانت كل معاركهم تسفر عن نصر حاسم، واعتادوا على رؤية جيشهم منتصرا، حتى جاءت معركة الكرامة فقلبت الصورة، بل لقد اعترف العدو الإسرائيلي بأن معركة الكرامة أثبتت أن حرب حزيران لم تحقق له شيئاً.
يكفي هنا أن نشير إلى أن رئيس هيئة أركان القوات المسلحة السوفيتية قال لقد شكلت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ العسكرية العربية ، ومثل الانتصارات في الكرامة على العدو الصهيوني، تأتي انتصاراتنا على عصابات التكفير التي قوضت بنيان دول عريقة، لكن هذه العصابات انكسرت على صخر صمود بلدنا وبسالة قواتنا المسلحة وهذه حقيقة تجعلنا نعلن بملئ الفم بل ونؤذن في الناس أنه لم يعد مقبولاً منا كأردنيين أن نجامل على حقائق تاريخنا، وأن نجعل الآخرين يخطفون منا حقائق التاريخ ويجيرونها لأنفسهم، فيتصرفون وكأن التاريخ يبدأ بهم وينتهي عندهم، فليس صحيحاً أن أحداً هزم الإسرائيليين قبل قواتنا المسلحة، وليس صحيحاً أن غير قواتنا المسلحة من أدخل العرب زمن الانتصارات، بل ليس صحيحاً أن هناك من قدم قبلنا وبحجم ما قدمنا لقضية العرب المركزية في فلسطين رغم جعجعة البعض وتضخيمه لأدواره لاستثمار هذا التضخيم لتحقيق مكاسب ذاتية على حساب الأمة ووحدتها ومكانتها.
وحتى لا تضيع حقائق تاريخنا الوطني، بين المجاملة من جهة وجعجعة البعض وافتراءاتهم من جهة أخرى، فإن علينا أن نمتلك أدوات تظهر هذا التاريخ، وهذا يعني أن يكون لدينا إعلام قوي قادر على إيصال صوتنا وصورتنا وحقائقنا إلى الناس كل الناس، والتصدي لكل محاولة تشويه بل تحريف التاريخ، وتجيره لغير الحقيقة، إعلام قادر أيضاً على المحافظة على روح الانتصار والتحدي التي بنتها انتصارت وإنجازات مثل إنجازات وانتصارت الكرامة واربد التي يزيد من أهميتها ليس أنها شكلت انعطافاً في مسيرة الصراع مع العدوين الصهيوني والتكفيري، بل قبل ذلك أنها منعت العدوين من تحقيق أهدافهما، فمعركة الكرامة منعت العدو من احتلال تلالنا لتشكيل منطقة عازلة، مثلما هو الحال في جنوب لبنان والجولان المحتل، ومن ثم كسر روح المقاومة، وعملية اربد منعت العدو التكفيري من زعزة الأمن والاستقرار ومن ثم نشر الفوضى في بلدنا الحبيب، وفي الحالتين قاد التنسيق والتكامل بين القوات المسلحة والأجهزة الأمنية إلى النصر المحقق الذي تعودنا عليه من النشامى الذين بنوا ثقة المواطن بهم عبر الإنجاز والإنجاز وحده، وليس هناك أمتن ولا أصلب من شرعية الإنجاز، فطوبى لنشامى قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية هذه الشرعية وكل عام وبلدنا يرفل بأثواب النصر والكرامة.