فيكتوريا سلمونيّ
(نائبة رئيس “جمعيّة أهل الفكر”)
مَسا الخير، يا أصدقاءَ الفنّ والثّقافة!
من القلبِ، مسا الخيرِ، ومن الفكر. من الرّوح ومن الوِجدان، في أعمق أعماقِه، وأصفى رؤاهُ!
فأنتمُ النُخبةُ المُجَلِيةُ في سَراديبِ هذا الزّمن الأرعن؛ والمُتَجَلِّيةُ لكلّ قلبٍ نيِّر، وفكرٍ رَقراق، وإن نُدْرة. منكم نستمدّ عزمًا، ونستوحي ما يُمتِع ويُفيد، ويُبعِد عن أجواءَ موبوءَة، فاسِدةٍ مُفْسِدة، أجواءَ نُفاياتٍ بِنُفايات، ولا إيضاح، تكفي الإيماءةُ الرّصينةُ البَليغة.
وبعدُ؛
إنّي لَأتساءلُ، عاليًا، وأسأل أُنسي الحاج هذا السّؤالَ البسيطَ، لكن الموحي: أنحنُ، يا أُنسي، نحيا في “ماضي الأيّام الآتية”؟ فنكون نحيا الماضي قبل الآتي، إذ لا مستقبلَ لنا، في عَتَمة ممتدّة لا نهائيّة!؟ أم نحن نحيا في آتي الأيّامِ الماضية، فنكون حمَلْنا ماضينا معنا، مُعترِفين، مُسَبَّقًا، بأن ليس لنا ما يأتي، بل ما يتكرّر، برَغبةٍ منّا في التّكرار والاجتِرار، إذ نؤمن بأن “لا جديدَ تحت الشّمسِ”! هل عشتَ صراعًا، أُنسي، بين العنوانَينن، قبل تستقرُّ على “ماضي الأيّام الآتية”؟ ألهذا صرختَ، موجوعًا، رافِضًا، مُعانِدًا، ثائرًا، وبالصّوتِ الصّارخِ، والفمِ المَلآن: “لن”، مُستجليًا واقعَنا القوميَّ، والآخَرَ الوطنيّ: فكريًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا وحضاريًّا وفنّيًّا… فرفضتَ سلَفًا، وعاندتَ سَلَفًا، وثرْتَ سلَفًا، ضدّ واقعٍ سيأتي من الماضي، مُثْقَلًا بما في الماضي من ثَبات وجُمود وإعجابٍ مريض!؟ ولذلك، فأنت ناديتَ، مُتَنَبِّئًا، بـ”الرّأسِ المقطوعٍ”، ليس للتّماثيل فحسْبُ، إنّما لكلّ مَن يختلف عنّا: فكرًا واجتماعًا وسياسةً وحضارةً وفنًّا و… دِينًا!
يا أُنسي!
أوَلهذا انغزلَ، في بالك والخَيال، السؤالُ التِّقْنيُّ الّلاحِقُ، مُثيرًا ومؤثِّرًا وموحِيًا معًا: “ماذا صنعتَ بالذّهب، ماذا فعلتَ بالوردة”؟ مُفَرِّقًا بين الصَّنعة، وإن بالذّهب، والعفويّة في عمل الوردة!؟ فالذّهبُ يُصَنَّعُ ليرقى إلى مرتبةِ الجَمال. أمّا الوردةُ فتعمل، مُختمِرةً، تحت التُّرابِ، بتمَهُّلٍ مُتَأنٍّ، وتَرَوٍّ يَلَذُّ لنفسِه، ويُحَرِّضُ فُضولَ السِّوى، لتنتهيَ شكلًا جميلًا أمام الحِسّ، لونًا موحِيًا للعين، عطرًا مُثيرًا للأنفِ!.. فتُحرِّكُ الْحِسَّ والفكر والرّوحَ والخَيال، للاستنتاج، تاليًا، أنّ الفنَّ خَلْقٌ لِحَميميّتِه الحارّةِ، والصَّنعةَ صَنعةٌ لجمالها البارد!
ومن ثمّ استنتجْتَّ، أيا أُنسي، أنّ خلاصًا لن يحصُلَ، إلّا بوساطةِ “رسولة شعرُها طويلٌ حتّى الينابيع، معتبِرًا أنّك اهتديت، وأنّك وصلتَ، وأنّكَ سَعَدْتَ، فاستسلمْتَ للسّلام والطُّمَأنينة والهدوء؟!!؟ ومن بعدُ خِبْتَ فرأيت ذلك كلّه “كلمات” بكلمات!؟ فختمتَ مرّةً وثانية، ودعوتَ إلى “الوليمة”، مجدِّدًا “نشيدَ إنْشادٍ”، يتكرَّر… وكان أن عدتَ، بعيدًا من “نهاركَ” إلى “خَواتمِكَ 3” فتكون ثابتة!؟
أُنسي! إلّا أنكَ ما رغِبت في الاستمرار لسبب لا يعرفُه إلّا اثنان: أللهُ، وكان صديقك، وأنتَ، وكنتَ حبيبَه!
فاغفِر لنا، نحن “جمعيّةَ أهلِ الفكر”، رئيسًا وأعضاء، إغفِر لنا هذا التّجَرّؤَ… أردنا اقتحامَ أسوارِ عَوالمِك، يُساعدُنا عليكَ أصدقاءُ مُشترَكون، عسانا نُعَزّي ونتعزّى. أيُّها الصّديقاتُ والأصدقاء!
إنّ “جمعيّة أهلِ الفكر” في لبنان، تشكر للمنتدين تجاوبَهم معها، إذ يجمعنا معًا، حبٌّ للأدب وحبٌّ وتقديرٌ لأنسي الحاج، أنسي الإنسانِ المُشاغب، الشّاعرِ المُشاغِب، المفكّرِ المُشاغب، المؤمنِ المُشاغِب… د. ربى سابا حبيب، الباحثة والشّاعرة، الشّاعر شوقي بزيع، الإعلاميّ الشّاعر عبدو وازن، الأديب والشاعر إيلي مارون خليل، رئيس “جمعيّة أهل الفكر”، نحبُّكم، وبكم نكبَر.
ومن القلب شكرٌ آخر للجمهور النُخبة، وتعرفون القول: “إنّ الكرامَ قليلُ”.
وشكرٌ من القلب، أوّلٌ وأخير، لباني نهضة زوق مكايل، وعلى كلّ صعيد، رئيس اتّحاد بلديّات كسروان/الفتوح، رئيس بلديّة زوق مكايل، المحامي الأستاذ نهاد نوفل، أهلًا وسهلًا بالجميع، والسّلام…
*****
(*) ألقبت في تقديم الندوة حول أنسي الحاج التي نظمتها جمعيّة أهل الفكر في “بيت الشّباب والثّقافة، زوق مكايل في 30 أكتوبر 2015