الكهرباء… ناقوس خطر

الكاتب بلال حسن التل

 ما من أحد يستطيع الجدال بأن مرافق الخدمات العامة، والبنى التحتية في بلدنا bilal talصارت بحاجة إلى صيانةٍ وتحديث، لتظل مصدر اعتزازنا الوطني من جهة ولتظل قادرةً على تقديم الخدمة للمواطنين من جهةٍ أخرى، ثم لتظل جاذبةً للمستثمرين الأجانب الذين يشكل توفر الخدمات والبنى التحتية عامل جذب رئيس لهم.

وفي طليعة الخدمات التي لابد من تحديثها والعمل على إبقائها متطورة خدمة التيار الكهربائي، الذي صار الشريان الذي يضخ الحياة في سائر الخدمات الأخرى، فإذا تعطل هذا الشريان شلت الحياة في سائر مرافق الحياة، وهو بالضبط ما تفعله شركة الكهرباء، عندما تظهر عاجزةً في أكثر من مناسبةٍ عن تقديم الخدمة اللازمة لمشتركيها، مما يعني أنها صارت بحاجةٍ إلى تجديدِ دماء، وتجديد أجهزة، حتى تكون لائقة بمدينة مليونية وعصرية كعمان، قادرةً على تقديم الخدمات لسكانها، وهو ما لم تعد شركة الكهرباء قادرةً عليه بالدليل العملي الذي يتكرر بصورةٍ دائمة.

 فإذا اشتد الشتاء وداهمتنا العواصف الثلجية انقطعت الكهرباء عن نسبةٍ عاليةٍ من سكان عمان ومؤسساتها، وتحولت حياتهم إلى جحيم، وشلت المؤسسات عن العمل، وإذا اشتد الصيف وهاجمتنا موجات الحر انقطع التيار الكهربائي وصارت حياة الكثيرين من العمانيين قطعةً من العذاب، وكأن شركة الكهرباء مؤهلة لتقديم الخدمة في فصل الربيع فقط، حيث لا عواصف ثلجية ولا موجات حرارة.

لقد صار من المألوف في حالتي العاصفة الثلجية أو موجة الحرارة أن ينقطع التيار الكهربائي عن أحياءٍ كثيرةٍ من عمان وأن تتذرع شركة الكهرباء بذريعة ارتفاع الضغط على مولداتها بسبب زيادة استخدام المواطنين للأجهزة الكهربائية، وهي ذريعة تقيم الحجة على الشركة. ذلك أن أحدًا أوتي ذرة من عقل، ومن ثم ذرة من القدرة على التخطيط والتطور لا يستطيع الجدل في أن عمان كبرت وتطورت، وصار من الضروري جدًا أن تتطور وتكبر معها كل المؤسسات التي تقدم الخدمات لسكانها، وأن تُحدّث هذه المؤسسات من أجهزتها وأدواتها التي تقدم من خلالها خدماتها لسكان المدينة، وهو ما لم تفعله شركة الكهرباء بالقدر الكافي، بدليل ما عانته ومازالت تعانيه شرائح واسعة من سكان عمان بفعل موجة الحر التي عشناها خلال الأيام القليلة الماضية، والتي تحولت حياتها بسبب انقطاع التيار الكهربائي إلى قطعةٍ من العذاب تجعلنا نؤذن في القائمين على الشركة بالقول:

  إن عمان لم تعد تلك المدينة الصغيرة التي يسكنها بضعة آلاف كما كان الأمر عند تأسيس الشركة، ولم تعد تلك المدينة التي يبلغ عدد قاطنيها مئات الآلآف من السكان كما كان الأمر قبل عقودٍ قليلة، لكنها تحولت إلى مدينة مليونية. وهي زيادة سكانية كان على شركة الكهرباء أن ترافقها في زيادة قدرتها على تقديم خدماتها لهؤلاء السكان، الذين تزايد اعتمادهم على الكهرباء في كل مناحي حياتهم، فلم تعد الكهرباء من كماليات الحياة، بل صارت من أشد ضروراتها، وبدونها تُشل الحياة، فصحة الناس أصبحت مرتبطة بالكهرباء، فكم من مريضٍ يحتاج إلى الكهرباء لتستمر حياته التي تصبح مهددة كلما انقطع التيار الكهربائي بحجة زيادة الأحمال على مولدات الشركة؟

وغذاء الناس صار مهددًا كلما اشتدت موجة حر أو عاصفة ثلج تتوقف معها مولدات الشركة على إمداد الناس بالتيار الذي يحفظ غذائهم في بيوتهم.

ودورة الاقتصاد صارت مرتبطة بالكهرباء، فكم من خسائر لحقت بالتجار الذين فسدت بضائعهم جراء انقطاع التيار الكهربائي عن محالهم ومخازنهم لفترات فسدت خلالها بضائعهم، وكم من عملياتٍ تجاريةٍ ارتبكت بفعل توقف أجهزة البنوك عن العمل جراء انقطاع التيار الكهربائي عنها.

وكم.. وكم.. وكم من الأضرار التي لحقت بالناس جراء انقطاع التيار الكهربائي عنهم، بعد أن صارت كل مكونات ومحركات حياتنا المعاصرة مرتبطة بالكهرباء، حتى الماء الذي جعل الله منه كل شيء حيا صار مرتبطاً بالكهرباء، حيث تعمل مضخات المياه في بيوتنا ومكاتبنا بواسطة التيار الكهربائي فإذا توقف، توقف معها ضخ المياه في هذه البيوت والمكاتب ومثلها مزارعنا ومتاجرنا.

 وهو ما تكرر وقوعه مرارًا وتكرارًا بحجةٍ لم تعد مقبولة، هي حجة ارتفاع الضغط على مولدات الشركة، وهو أمر طبيعي ومنطقي يتناسب مع ارتفاع عدد سكان عمان، وارتفاع حجم اعتمادهم على التيار الكهربائي في كل مكونات حياتهم. وقد كان على الشركة العمل على مواكبة ذلك كله وأكثر، من خلال امتلاكها لرؤية مستقبلية وخطة تحديث شاملة تحميها من كشف عورتها وقصورها في كل مرة يتعرض فيها سكان عمان لعاصفةٍ ثلجيةٍ أو موجة حر قاسية، كما حدث في الأيام القليلة الماضية.

وبعد، فإن تراجع خدمة التيار الكهربائي الذي صارت الأدلة عليه كثيرة ومتكررة يقرع في آذاننا أجراس الخطر، لتنبيهنا إلى واقع مرافق الخدمات والبنية التحتية في بلدنا لنسعى إلى تطويرها وتحديثها وفق خطة وطنية قبل فوات الأوان.

****

(*)  رئيس “مركز البيرق للدراسات والمعلومات” ومؤسس “جماعة عمات لحوارات المستقبل” وصاحب وناشر جريدة “اللواء” الأردنية.

 

اترك رد