كاتدرائية القديس نيقولاوس صيدا… تحتضن أول كرسي أسقفي للجنوب وأيقوناتها تعود إلى القرن الثامن عشر

تحقيق إيمان سلامة

قبل القرن الرابع عشر لم يكن للمسيحيين الحق في بناء دور عبادة لممارسة شعائرهم ??????????الدينية، إلا أن الإمبراطور قسطنطين أذن لهم بذلك بعدما كانت المعابد الوثنية والمقابر متنفسهم الوحيد،فأخذت الكنائس بالانتشار وأصبح لنور السيد المسيح مساحات وأماكن في بقاع العالم.

وكان للبنان حصته وتحديداً في الجنوب، في مدينة صيدا، حيث قامت كنيسة صيدا الأولى أو كاتدرائية القديس نيقولاوس، وقد عرفت بهذه التسمية وفيها أول كرسي أسقفي للجنوب.

حملت هذه الكنيسة اسم القديس نيقولاوس أسوة بكنائس كثيرة في العالم، لأنه شفيع البحارة ونظراً إلى قربها من الجانب البحري للمدينة، اكتسبت التسمية قيمة وقداسة.

تاريخ عريق

شيدت هذه الكنيسة، بحسب المعلومات، على أنقاض معبد وثني قبل ثلاثمائة عام، وبحسب كتاب المؤرخ الأب قسطنطين باشا،  يعود تاريخها إلى ما قبل القرن التاسع، ثم أعيد ترميمها وتجديد بنيانها في القرن السادس عشر، كما أشارت معلومات، ورممت في عهد فخر الدين ضمن عملية ترميمية شملت معظم الأماكن الأثرية الواقعة على الشاطىء البحري، على غرار خان الإفرنج وقلعة صيدا وغيرها، وكانت في ذلك العصر كاملة المساحة غير منفصلة، إلا أن المماليك أحرقوا كل الأماكن من بينها الكنيسة.

اقسام الكنيسة

كانت الكنيسة تضم، الروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس، لكنها انقسمت  سنة 1850 بين الروم الأرثوذكس الذين نالوا نسبة الثلث والروم الكاثوليك الذين حصلوا على الثلثين، وذلك بمراسلة من قاضي عكا الأكبر في حينها محمد ابي الهدى التاجي عام 1234 هجرية، وبنوا حائطاً فاصلا بين جهتي الكنيسة الواحدة، إنفاذا للفرمان السلطاني أيام ولاية سليمان باشا سنة 1819.

في الجهة الكاثوليكية، الكنيسة مقفلة منذ زمن ولا تقام فيها أي خدمة أو قداس، أما في الناحية الارثوذكسية فقد تداول مسؤوليتها كثر الى أن تسلم الأب جوزيف خوري مهامه فيها عام 2003 ككاهن لرعيتها، ويعمل على إقامة برنامج صلوات أسبوعية في مواعديها لتتوج بالقداس الإلهي أيام الأحاد والأعياد، إلى جانب الاهتمام بأمور رعيته التي تضم 114 منزلا في صيدا وجوارها.

ورغم ان الجهتين كانتا في الاتجاه الواحد إلا ان الانقسام انسحب على أمور كثيرة منها سنين الخدمة للكاهن، فالكاهن الأرثوذكسي لا تحدد له سنوات خدمة بينما الكاثوليكي يعين كل خمس سنوات تبعاَ لنظام إداري خاص بالكنيسة.

يذكر أن الكنيسة الأرثوذكسية، كما أورد لنا الأب خوري، ليس لديها مقدرات أو مداخيل مالية تعتمد عليها، لذلك لإتمام احتياحات الكنيسة من ترميم وإعادة تجهيز والاهتمام بأمور الرعية، كان لا بد من الاستناد على دعم الأيادي البيضاء، كالخطوة التي بادر فيها رئيس جمعية الصناعيين السابق جاك صراف وقدم للكنيسة مساعدة لترميم  ما خربه الزمن، لتبقى حاضرة في الشكل والمضمون.

 الأجزاء الداخلية

عمارتها قديمة العهد وجدرانها الحجرية تشكل صورة الحصن المنيع، ورغم ضيق جغرافيتها إلا أن موقعها مرتكز مهم يجمع الرعية تحت سقف قاعتها، وإن كانت صغيرة، تتسع برحبها لمؤمنيها بمذابحها الثلاثة وركن العمادة، لتشكل التقاء المعنيين الروحي والديني لهذا المكان، أما الأشياء التي أضفت على المكان قيمته التاريخية والجمالية، فهي الأيقونات التي يعود  تاريخها إلى القرن الثامن عشر، الى جانب تحف خشبية تجلت برمزيتها الدينية ومقاعد تستقبل مؤمنيها وزوارها الوافدين اليها.

حكاية بولس وبطرس

للكنيسة وغرفتها الصغيرة قصتها مع الرسولين بولس وبطرس، حكي أن معبراً داخلياً بحرياً ضيقاً جمع بينهما، وعندما أُخذ بولس الرسول من فلسطين الى روما لتنفيذ حكم الإعدام بحقه، صودف أن للبواخر محطات ترسو فيها للاستراحة والتزود باحتياجاتها، وفي تلك الآونة كان المسيحيون يتعرفون على بعضهم بإشارة السمكة بما كانوا يعانونه من تضييق ومنع لأداء شعائرهم الدينية في بلاد المسلمين.

وبعدما  رست الباخرة التي تقل الرسول بولس طلب أن يرى رعيته وكان له ذلك بأن قابل بطرس، وكان اللقاء  في هذه الكنيسة وفي هذه الغرفة الصغيرة له وقعه في المكان والزمان، فالتاريخ دون هذه اللحظات وبصمها على الكنيسة حدثاً ورابطا دينياٍ للمسيحيين عامة وللأرثوذكس خاصة، وعطى للمكان أهميته وهو: صيدا مدينة التقاء الحضارات والديانات.

(الوكالة الوطنية للإعلام)

اترك رد