هواجس من الاتفاق النووي  

د. عبدالله بوحبيب

باستثناء التزام إيران عدم الاستمرار في تطوير صناعتها النووية، لن يغيّر اتفاقها مع abdallah-bou-habib-1الدول الست موازين القوى في الشرق الأوسط. لا السعودية ستضعف، ولا إيران ستقوى، ولا إسرائيل ستتضعضع أياً يكن شعور قيادات هذه الدول ومواقفها عشية الاتفاق.

أكد كل من الرئيس باراك أوباما والمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أن المشاكل الإقليمية لم تبحث خلال المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، كما أكدا استمرارهما في دعم حلفائهما التقليديين: الرئيس الأميركي مع دول الخليج وإسرائيل، والمرشد الأعلى مع سوريا و «حزب الله» والفصائل الفلسطينية الحليفة.

 نبدأ بإسرائيل التي كانت تتمنى قيادتها استمرار العقوبات الاقتصادية على إيران لمنعها، ليس من إنتاج السلاح النووي فحسب، بل أيضاً من صناعة الأسلحة التقليدية وتصديرها. حلم إسرائيل أن تنهي قدرة إيران على شنّ أي حرب عليها، أو أن تساعد «حزب الله» و «حماس» وغيرهما من الفصائل الفلسطينية على إلحاق الأذى بها، بعدما ساهمت بطرق مباشرة وغير مباشرة في شلّ إمكان قيام العراق وسوريا بمهمة كهذه. ورغم أن الاتفاق خيّب آمال القيادة الإسرائيلية، فإنه لم يُضعفها حيال إيران خاصة مع استمرار الحرب في سوريا.

 برودة العلاقات بين واشنطن والسعودية ودول الخليج، خاصة الإمارات وقطر والبحرين، لن تستمرّ طويلاً. جرّبت السعودية أكثر من مرّة استبدال حليفها الأميركي منذ الأربعينيات من دون نجاح. جرّبت خلال احتلال الوهابيين المتطرفين المسجد الأكبر والكعبة في العام 1979 وبعده، وكذلك بعد حوادث 11 أيلول 2001، وتحاول اليوم ومنذ رفض الرئيس أوباما ضرب سوريا من الجو بعد اتهام النظام السوري باستعمال السلاح الكيميائي.

لا يمكن أن يجهل النظام السعودي أن الولايات المتحدة تستطيع وحدها في القرن الحادي والعشرين أن تبقي على أساطيلها وقواعدها في الخليج وتحافظ عليها، وأن تبقي على تحالفها مع دوله العربية وإن تحسّنت علاقتها مع إيران. فعلت واشنطن ذلك قبل ثورة إيران العام 1979 ولا تزال الحليفة الأولى لإسرائيل ومعظم الدول العربية، ومن ضمنها السلطة الفلسطينية.

 لكنّ هناك نقطتي خلاف أساسيتين بين واشنطن ودول الخليج تتعلقان بالخطر الإيراني على الأنظمة الخليجية والحرب السورية.

 بينما يشدّد الرئيس أوباما على أن لا أخطار خارجية على دول الخليج العربية مادامت هناك قوة أميركية كبيرة ورادعة في كل أنحاء الخليج، يصرّ الخليجيون على أن الخطر الإيراني يأتي من تدخّلها ودعمها وتحريضها الأقليات المذهبية داخل كل منها، ما يهدّد أمن الأنظمة الخليجية واستقرارها. هنا يشدّد الرئيس أوباما على أن بدء نشر المواطنية الحقة في كل من هذه البلدان لا بدّ من أن يحدّ من إمكان التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لهذه البلدان وبالتالي من نجاحه. بكلام آخر، يُصرّ الرئيس أوباما على أن الإصلاح الداخلي يكفل غياب الفتنة والتدخل الخارجي، وأن ذلك لا يصلح وضع هذه الأقليات وحسب، إنما يخدم استمرار الأنظمة هذه واستقرارها.

 المشكلة السورية بُحثت أيضاً في قمة كامب دايفيد بين الرئيس الأميركي والقيادات الخليجية. الجهتان تتفقان على تغيير الرئيس وإبقاء النظام. بينما تصرّ واشنطن على انتقال منظم للسلطة في سوريا – انتقال يحافظ على الجيش والقوى الأمنية والإدارة ويغيّر الرئيس – يريد الخليجيون إنهاء عهد الرئيس بشار الأسد بأي ثمن. هنا الخلاف الأساسي مع واشنطن التي تخشى في حال نجاح الخطة الخليجية، من أن يتكرّر في سوريا ما حدث في العراق خلال العقد الماضي، وفي ليبيا اليوم، حيث تعم الفوضى ويسود التطرّف الإرهابي.

 كذلك تبدي واشنطن اهتماماً كبيراً بالتوصل إلى حلّ سلمي في سوريا، ليس لخوفها من إمكان انتصار «داعش» و «النصرة» المنبثقتين من تنظيم القاعدة – عدوة واشنطن الرئيسية – ولا من الخوف من انتشار الحرب في البلدان المجاورة وحسب، إنما لأن استمرار الحرب قد يساعد على انتشار أمراض استُئصلت عالمياً منذ زمن، وظهرت أخيراً في أماكن عدة في سوريا، حيث معالجتها اليوم مستحيلة. من هنا كانت زيارة الوزير الأميركي جون كيري لسوشي للبحث مع الرئيس بوتين في تسريع اتفاق حول سوريا. وكان قد سبقت زيارة الوزير كيري زيارتان فرنسية وبريطانية للغرض ذاته.

 أما إيران، فقبلت وعملت بجدّ على إنجاح المفاوضات حول ملفها النووي لأنها تريد أولاً وآخراً إنهاء عزلتها الدولية ودخول المجتمع الدولي والالتحاق بركب التقدم الاقتصادي الدولي. طبعاً، الاتفاق يعطيها وفراً من المال على مدى سنوات من تحرير مالها المجمّد منذ العام 1979، ومن زيادة في صادرات البترول. لكن إيران التي لم تبخل يوماً على حلفائها وعلى توسيع نفوذها في المنطقة، في حاجة ماسة إلى موارد وفيرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأن عدم استعمالها هذا الفائض لهذه الأغراض قد يتسبّب بثورة كبيرة، من الصعب قمعها كما حدث في بلدان «الربيع» العربي. لا يعني ذلك أن إيران لن تساعد حلفاءها أو لن تحاول توسيع نفوذها، لكن ذلك لن يؤثر على موازين القوى في المنطقة من الخليج إلى شرق المتوسط.

باختصار، إن إيران وربما واشنطن تعرفان أن المال الذي قد يساعد على انتصار هنا وهناك، لا يمكنه تغيير موازين القوى في المنطقة. إن حدود نفوذ الدول المؤثرة والفاعلة قد رُسمت تقريباً وإمكان تغييرها بات صعباً.

****

(*) السفير، 22 يوليو 2015

اترك رد