عَيْــنُ زْحَلْتــا..عَيْـــنُ الشّـــوفْ!

الشاعرة نَدى نعمه بجاني

 

nada bejani

عَيْنُكَ الشّوفُ الشّوفُ،
عَيْنُكَ، قِبْسُ الضِّياءِ مِنْ أَلَقِ الدَّهْرِ
عَيْنٌ، تَجَسَّدَ فيها السِّحْرُ،
مُذْ دَعَتْها ذُراهُ، إلى قَلْبِ الْجَبَلِ الْخَضِرِ
عَيْنٌ، زَحَلَتْ هَهُنا، بكُلِّ مَناجِعِ الطّيبِ،
وَاسْتَنْشَقَتْها، أَنْفاسُ الْحِسانْ.

***

هِيَ الْمَعْبَدُ الْقُدْسِيُّ، لأَهْلِ الْإيمانِ..
بها الْخَيرُ مَوْفورٌ، وَالْفِكْرُ نَشْوانُ،
بِها يَنْتَعِشُ العَقْلُ، وَيَضْطَرِمُ الوِجْدانُ..
أَلْجودُ في أَهْليها، كَسَيفِ الْحَقِّ يَقْظانُ،
وَالأَنْفُسُ السَّمِحِةُ، ما احْتَلَتْ، بِغَيرِ عَراقَةِ النَّسَبِ
وَما اغْتَذَتْ، بغَير زادٍ مُغَمَّسٍ بِمِعْجَنِ الْكَرامَةِ وَالْعُنْفُوانْ.
***
غَنَّيْتُكِ يا عَيْنُ، نَديمَةَ الْبَدْرِ،
سَميرَةَ اللَّيلِ، عَروسَ الرّيفِ،
أَكْحَلْتِ عُيونَ الْقَصيدِ،
بِأَنْفاسِ الْحُبِّ، وَبَديعِ الْبَيانِ..

قَرَأْتُ فيكِ، كُلَّ ما عَنِ المَجْدِ كُتِبَ،
وَما كانَ عَلى جَبينِ الْمَجْدِ..
فَإِذا البَدْرُ، فَوقَ ثَراكِ تَمَدَّدَ
وَالْعِطْرُ، في أَثيرِكِ تَنَهَّدَ،
إذْ أَتاكِ فَجْرُ الدُّنى، بِأولى شَذَراتِ التّيجانِ،
وَعَلى أَفْنانِ الصَّنَوْبَرِ، اسْتَكانْ.

nada bejani 2

***

إِذا ما حَلَّ الْمَساءُ، وَالْفَضاءُ أَنْجَمَ..
آهَ لِبَهائِكِ الصَّدْرُ،
وَالْفُؤادُ، إلى ثَرْثَراتِ السَّمَرِ آبَ،
كَغَيمَةِ صَيْفٍ، تُلامِسُ، خُلْدَكِ الْفَتّانْ.

هُنا السَّمَواتُ، في أَرْضِ الْعَزائِمِ، تُكابِرُ..
هُنا الصَّفا، الْيَنْبوعُ السَّواغُ،

سَقى جُذْرَكِ الرَّيّانْ..
سَقاهُ بِماءِ البَرَكَةِ المُشْتَهى..
فَبَدا جُذْرُكِ، بِسَكْراتِ الْحَنينِ، يَتَعَمَّدُ،
وَفي الحِضْنِ الْجَلالِ يَتَجَلْمَدُ..
هُنا الأَرْزُ، في امْتِشاقِ الْعَظائِمِ، تَسَرْمَدَ..
هُنا شَبَّ،
هُنا أَيْنَعَ شَميمُهُ، وَخاصَرَكِ اصْطِفافُهُ،
وَفي سَناهُ، شَابَ، جَبَلُ لُبْنانَ الْغَسّانْ.
***
قَدْ آنَ لَكِ، أَنِ اسْمِقي، عَيْنَ زْحَلْتا،
تيهي، بُعْدَ الأَرْضِ وَالْجِنانْ..
هاكِ الْيَومَ، تَغْدينَ الأَبْهى
إِذْ زادَكِ الأَصائِلُ، مِنْ لَدِنِ الأَزْمانِ،
وَوَجْهُ التّاريخِ، بِعِزَّةِ تاريخِكِ ازْدانْ.
***
إِنّي أَيَّتُها الثَّقافَةُ،
أُمُّ الْمَعارفِ، وَأَبْجَدِيَّةُ الأَسْلافِ..
أَعْني بِكِ، الْعَريقَ صَرْحَكِ
رُكْنَ الْحَضارَةِ، بِهِ الْخَواطِرُ، تَرْتَقي،
وَمِنْبَرَ الْخَطابَةِ، تُزَفُّ إلَيْهِ، فاكِهَةُ الْأَدَبِ
إذا أَشادَ، فَفي إِيشادِهِ، تَهيمُ السِّيَرُ
بِذارَ جِهادٍ، تَغتَني مِنْها، عَلِيَّةُ الْأَبْدانْ.

nada bejani 1

***
فَالسَّليمُ شَأْنُهُ، كَمانُهُ،
تَبادَعَتْ، بِرَخيمِهِ الأَلْحانُ..
مِنْهُ الْفَيْضُ، وَمِنْهُ الْفَنُّ..
قَدْ رَنا إلى عَلْياءِ الْفِكَـــرِ،
وَدَثَّرَها، بِخِمارِ الْعِلْمِ..
إذْ صانَ الإرْثَ، وَما اسْتَهانَ،
فَأَحْيا التُّراثَ ذِكْرًا وَعُرْفانا..
إنَّ صائِنَ الْحُروفِ، بالْحُروفِ لا يُزانُ،
وَلَيْتَ كُلَّ إِرْثٍ يُصانْ.

****

(*) ألقيت في عين زحلتا – مركز الدكتور سليم سعد الثقافي خلال ندوة  حول ديوان الشاعرة ندى نعمة  بجاني “رجُلُ المُستَحيل، في 4  يوليو 2015. 


اترك رد