الشاعر منير راجي ( وهران ) الجزائر
ليس من السهل أن تكتب عن هرم بل عن أسطورة بحجم السيدة فيروز ( نهاد رزق وديع حداد ) و هذا هو اسمها الحقيقي.. و ليس من السهل ايضا أن تغوص في تشريح مميزاتها و خصائصها الفنية و عبقريتها و رقي و سمو ذوقها…
عندما نتكلم عن فيروز, فنحن لا نتكلم عن وطنها و لا عن نشأتها و لا عن زوجها و اولادها…يكفي انها بنت لهذا الوطن العربي الكبير..ترعرعت بين جباله و أشجاره..بين نخيله و رماله و شربت من محناته و تبسمت لأفراحه و بكت لأحزانه انما نتكلم عن فيروز النغم و الصوت.
فيروز التي لا تزال تطرب الملايين من المحيط الى الخليج و تهز مشاعر الألاف في كل ركن من أركان عالمنا هذا.
لقد نجحت فيروز في تمثيل فننا العربي خارج هذا الوطن الكبير, و شقت طريقها في ذلك بصوتها فقط…ان صوتها مراة لما يجري لعالمنا العربي من محن و صراعات و أزمات…
فيروز زهرة فنية قلما نجدها في عالمنا فهي تمزج بين الكلاسيكية و العصرية و الفولكلور لتخرج في النهاية بملحمة غنائية لا مثيل لها.. والملاحظ جدا هو أن فيروز لا تعتمد على صوت الألات كما يفعل بعض المطربين.. لأن صوت الألات في كثير من الأحيان يكون أساس نجاح المطرب بحيث تغطي هذه الأخيرة على صوته و بالتالي تخفي عيوبه..
لكن فيروز لم تكن من هذا النوع و حبالها الصوتية أكثر قوة من حبال أية ألة موسيقية على وجه الأرض, يكفي أنها أدت العشرات من الأغاني دون حاجة الى أية ألة موسيقية و هذا فعلا ما ساعد الأخوين عاصي و منصور رحباني في التعامل معها دون التعامل مع غيرها خاصة في بداية المشوار, لقد استطاعا بفضلها أن ينجزا ملحمتها الفنية والتي أطلقا عليها اسم ( أغاني لولو ) و هي أغاني من كلمات و تلحين الأخوين رحباني .. تتضمن اروع ما غنت فيروز و منها(انسى كيف؟..كانوا يا حبيبي..راجعين يا هوى.. سيف المراجل حكم.. نطرونا كثيرو..و.القائمة طويلة..
مهما تحدثنا عن فيروز فاننا لا نستطيع أن نذكر كل شيىء و لكن كل ما يمكن تأكيده هو أن فيروز لم تبقى سجينة الطرب المحلي بل تعدت ذلك و أصبحت أغانيها عالمية تتلهف لها قلوب الجماهير من كل وطن بصرف النظر عن الجنس و الأصل و الوطن و الدين وحتى اللغة…
ان الشيء الذي يلفت الانتباه في أغاني فيروز هو مدى فهمها لذوق الجيل..فهي لا ترغب دائما في أداء الاغاني الطويلة , بل فكرت في الأغاني القصيرة.. الأغاني التي لا يشمئز منها المستمع.
لقد اختارت صاحبة الصوت الملائكي الساحر طريقا دراميا في الأداء و قد وفقت في ذلك بامتياز.. قالمطرب الدرامي عندما يغني أغنية يبغي أن يغوص في تجارب و مشاعر أشخاصه..أقصد جمهوره.. فأغاني قيروز تحمل هذه الصيغة الدرامية لهذا كان لها تأثير عميق في أذهان الجماهير.
ان ما يميز ( الدراما الفيروزية) هو كونها أقرب الى القلب, لا لأنها تتطلب تركيزا أقل و لأن تأثيرها أكثر مباشرة و من ثمة فهيمنتها أوسع نطاقا و أكثر شمولا…هذه هي التحفة الفنية العربية و العالمية التي غنت في الوطن العربي و خارجه و فتحت أفاقا كبيرة في ميدان الطرب العربي, كما جعلت من صوتها ألة موسيقية تضاف الى الألات الأخرى.. انها فعلا أعجوبة العصر..
هذه اللؤلؤة التي لا توال قابلة للعطاء باستمرار.. ان الحديث عن فيروز لا ينتهي فهي ايضا المطربة الشاعرة لقد غنت لعمالقة الشعر العربي على مختلف عصورهم مما جعلها من أرز المطربين الأكثر حبا للشعر العربي الفصيح فقد غنت : لعنترة و ابي نواس .. جرير.. جبران خليل جبران..ميخائيل نعيمة.. ايليا ابو ماضي.. الاخطل الصغير.. سعد عقل.. رفيق خوري. أحمد شوقي …نزار قباني و القائمة طويلة و هذا موضوع اخر سأتناوله من جانب فيروز الأديبة و الشاعرة…
بالاضافة الى باب أخر يتناول فيروز و الطب النفسي الحديث.. هذه هي بنت حارة زقاق البلاط ببيروت المكان التي ولدت فيه أسطورة الطرب العربي السيدة فيروز…أتمنى ان أكون قد أعطيت و لو اشعاع بسيط عن هذه التحفة الفنية التي أعتقد انها لا تتكرر.
*****
(*) من سلسلة عمالقة الطرب العربي.