لماذا جماعة عمان لحوارات المستقبل (10) تعزيز الشفافية.. محاربة الواسطة

الكاتب بلال حسن التل

 قلنا في مقال سابق أنه يجب أن تكون من أولويات جماعة عمان السعي لبناء الإنسان الإيجابي الفاعل bilal talمن خلال تفجير الطاقات والإمكانيات الفردية، وتوفير المناخات السليمة لحسن توظيف هذه الامكانيات والطاقات في عمل جماعي.

 كما دعونا إلى أن تكون من أولويات جماعة عمان أيضًا تحريك الإحساس بالمسؤولية الفردية عند كل فرد من أفراد المجتمع، وعند توفير المناخات السليمة التي تضمن تفجير الطاقات والإمكانيات الفردية وحسن توظيفها لابدّ لجماعةِ عمان من وقفة طويلة لتطرح على نفسها سؤال: ما هي أهم شروط توفير هذه المناخات.؟ وهو سؤال لا يحتاج المرء إلى طويل عناء ليجد الجواب عليه، فأول شروط هذه البيئة أن تكون بيئة عادلة تعطي كل ذي حق حقه، ولا تسمح لأحد أيّن يكون أن يحصد ما زرعه الغير.

  وحتى يتم ذلك لابد لجماعة عمان من أن تدافع بكل الوسائل عن واحدة من أهم قواعد الدستور الأردني ومضامينه، وهي قاعدة «الأردنيين أمام القانون سواء» وأول وسائل الدفاع عن هذه القاعدة هي محاربة الواسطة والمحسوبية التي استشرت في بلدنا، وهزت أركان العدالة فيه، وحرمته من الكثير من كفاءات أبنائه، وهجرت الكثير من خيرة عقولهم وأفسدت الكثير من إداراته التي أُسندت بغير حق لمن هم غير أكفاء. ومن ثم فإن محاربة الواسطة يشكل مدخلاً مهما لتطوير الإدارة العامة في بلدنا على أساس الكفاءة.

 إن محاربة الواسطة والمحسوبية ليست مسؤولية الحكومة وحدها، وإن كان من واجب الحكومة أن تغلق أبواب المسؤولين فيها أمام كل أنواع الواسطة، لكن ذلك وحده لا يكفي إذ لابد أن تصبح محاربة الواسطة والمحسوبية ثقافة مجتمعية. وهنا تكمن مهمة رئيسية من مهام جماعة عمان وأولوياتها بصفتها حركة تغير مجتمعي تعتمد التنوير وبناء الوعي وسيلة لإحداث التغيير المطلوب.

إن الوعي المطلوب بناؤه في هذه القضية له شقين: الشق الأول هو تربية الإنسان على رفض ممارسة الواسطة للوصول إلى ما هو ليس حق له، والشق الثاني هو ممارسة الرقابة الشعبية على المتنفذين لمنعهم من ممارسة نفوذهم لحرمان أحد من حقه، من خلال ممارسة الواسطة لسلب هذا الحق، واعطائه لمن لا يستحقه، ومن ثم تحويل الواسطة الى رذيلة اجتماعية يخجل من يمارسها، تمامًا مثلما يخجل اللص من فعلته، لأن من يمارس الواسطة هو في حقيقة الأمر لص يسرق حق غيره.

  ونعتقد أنه آن الأوان لإطلاق صيحة في وجه بعض الذين يبنون حضورهم الاجتماعي من خلال ممارستهم للواسطة، فهؤلاء وإن كانوا يخدمون محاسيبهم واصدقائهم ومعارفهم، فإنهم في النتيجة النهائية يدمرون الإدارة العامة، بل وكل مؤسسات المجتمع عندما يوكلون أمرها الى غير الأكفاء أو يمنعون تطبيق القانون.

 وهم بذلك يدمرون المجتمع عندما يعتدون على واحدة من أهم أسس سلامته وهو أساس العدالة والمساواة، الذي لا يتحقق إلا من خلال تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص، عبر المنافسة الحرة التي يفوز بها صاحب القدرات والإمكانيات والكفاءات وليس صاحب الواسطة الأكبر والأكثر نفوذا.

 وربطًا بمحاربة الواسطة والمحسوبية لابد من إعلان حرب لا هوادة فيها على الرشوة، التي كشفت عن أنيابها في مجتمعنا، واخذت صورًا مختلفة، كل واحدة منها أبشع من الأخرى وأشد ضررًا، خاصةً وأن الرشوة ترتبط بشراء الذمم الذي طالما شكل مدخلاً لاختراق الأوطان من الداخل والخارج، وهو اختراق تتفاقم مخاطره في هذه المرحلة من تاريخ بلدنا ومنطقتنا حيث يستشري الفكر المتطرف الذي تغري تنظيماته الشباب وغير الشباب بالمال أهم صور الرشوة وأكثرها شيوعًا.

كثيرة هي وسائل محاربة الواسطة والمحسوبية وربيبتها الواسطة، غير أن من أهم هذه الوسائل تعزيز مبدأ النزاهة والشفافية في كل ممارساتنا على الصعيد الفردي والجماعي، وهذه كلها من ركائز دولة القانون التي يصل في ظلها كل صاحب حق إلى حقه وفق إمكانياته وقدراته، وهي الدولة التي يجب علينا جميعًا أن نسعى لترسيخ وجودها في مجتمعنا، وهذا يجب أن تكون من أول أولويات جماعة عمان لحوارات المستقبل.

*****

 (*)  رئيس “مركز البيرق للدراسات والمعلومات” ومؤسس “جماعة عمات لحوارات المستقبل” وصاحب وناشر جريدة “اللواء” الأردنية.

اترك رد