الأديبة أحلام مستغانمي
تفتح التلفزيون، وإذا ما هبّ ودبّ من البشر يهجمون عليك من الشاشة، حال تعثُّرك بزر الريموت كونترول. بعضهم تشاهده في كلّ مسلسل، وعلى كلّ قناة، حتى لتخال خللاً ما أصاب جهازك المتنقِّل بين القنوات، والبعض تتوقّعه بطلاً في مسلسل تلفزيوني، وإذا به مقدّما لإحدى المسابقات السخيّة، وأُخرى كنت تظنّها مطربة، وإذا بها وكيلة لمشروب تفطر برعايته، بينما يستفيد آخر من غيبوبتك الرمضانية، ليُجرِّب فيك خفّة دمه، أو قدرة ضيفه على القفز والصراخ والزعيق، بذريعة تهذيب ذائقتك السمعيّة بما يليق بالروح الطربيّة للعصر.
لا تملك إلاّ أن تحمد اللّه، لأن ذلك الرهط الغريب من البشر، هو كائنات تلفزيونية، ليس في إمكانها الإفلات من الشاشة والإقامة عندك. فمن نِعَم التلفزيون، أنه حسب ديفيد فروست “اختراع يسمح لك بأن تستمتع داخل غرفتك مع أناس لا تقبل أن يكون بعضهم في بيتك” . لكن هذا لا يمنعهم من أن يخربوا بيتك باستحواذهم على وقتك ووجدانك، إلى حدّ إيصالك إلى الطلاق، كما حدث حين وصل الغضب بأحد الأزواج، وهو يرى زوجته مشغولة عنه وعن أولادها الأربعة على مدى أسابيع، بمتابعة المسلسلات، إلى حدّ تحطيم جهاز التلفزيون.
ولم ينقذ العائلة من التفكك سوى تدخُّل القاضي لإعادة الزوجة إلى « بيت الطاعة « بعد تعهُّد كتابي بعدم متابعة البرامج التلفزيونية. وفات القاضي أن يُهدِّد الزوجة بتطليقها وتزويجها بالتلفزيون، أُسوة بذلك الأسترالي الأربعيني، الذي وصل به الإدمان حدّ اختياره التلفزيون زوجة، وعقد قرانه عليه بحضور الأصدقاء ومباركة كاهن. وبكلّ جدّية، تعهّد الرجل بالوفاء للتلفزيون، بعد أن وضع خاتمي الزواج في غرفة الجلوس، قرب هوائي الاستقبال.
لا تستهبلوا الرجل. أولسنا أمة تعقد قرانها على التلفزيون كل شهر رمضان؟ سمّوه زواجَاً عُرفياً، أو زواج متعة، أو زواج مسيار.. الأكيد أننا نعاشر التلفزيون أكثر ممّا نعاشر ونجالس أزواجنا، وإن كنّا لم نذهب إلى حدّ وضع خاتم الزواج على هوائيّ الاستقبال فلأننا جبناء!