الأديبة أحلام مستغاني
منذ عقود، يتولىّ القَتَلَة إعداد مائدة إفطارنا بما لذّ وطاب من أخبار الموت. على مدى عشرين سنة عايشنا مذابح الجزائر وفلسطين والعراق ولبنان، ومازال الموت يُولم لنا في سوريا و تونس ومصر و اليمن وليبيا والكويت.
ولولا لطف الفضائيات وترفُّقها بنا، وإغداقها علينا فور رفع الأذان، بالمسلسلات والمسابقات والجوائز السخيّة في شهر رمضان الكريم، الذي من بعض كرمه فائض الفقرات الإعلانية، لمات معظمنا قهراً ونكداً، وهو يتابع مستجدات المصائب و البلاوي العربية. ذلك أنْ الفضائيات أرحم بنا من أوطاننا.
وقد تنبّهت وهي تتنافس على ” كعكة قلبنا “، إلى كوننا أُمّة تعاني من تشوّهات عاطفيّة، بسبب أوطان لا تُبادلنا الحُب، فقرّرت في سخاء عاطفي، أن تتولّى أمر تأهيلنا النفسي والعاطفي، فتغدو أمنا ومُرضعتنا ومُربيتنا.
وهكذا، وجدنا أنفسنا مواطنين صالحين في جمهوريات الفضائيات، ندين بالولاء لها، بعد أن اخترنا التلفزيون حزباً ووطناً، وقاعة الجلوس مربط خيل لنا، وارتأينا، ونحن بكامل قوانا العقليّة، ألاّ نبرح حِجرها، ونعيش شهراً كاملاً خارج المجرّة الكونيّة، مكبّلين بسلاسل المسلسلات الرمضانية، نحلم ونتعذب ونتزوج ونُطلّق، حسب مزاج كُتّاب قصص الدراما التلفزيونية.
هذا إذا اهتدينا إلى المسلسل المنشود، ولم نخطئ في التوقيت أو في القناة، بحكم وجود الممثلين إيّاهم في أكثر من مسلسل، تائهين في غابة مسلسلات رمضان، نتلمّس طريقنا كالعميان بين سبعين مسلسلاً يتربّص بنا على مدار الليل والنهار!