زهرة تنفست الفجر ضياء وندى فكانت قصيدة… قراءة في ديوان “أسطورة عشق” للشاعرة القديرة وفاء السعد

الشاعر ناظم ناصر

عندما نقرأ نصوص الشاعرة وفاء السعد تجعلنا تحت تأثير شاعريتها وهي تحاول أن تعبر عن وجدانيتها nazem naser kourashiوشعورها وإحساسها بما يدور حولها، مدركة لدورها في الحياة كامرأة تعتبر العنصر الأهم لديمومة هذه الحياة و رمز الحضارة فيها.

والشاعرة وفاء السعد تحاول تحقيق ذاتها من خلال تجربتها الشعرية، فكلماتها تورق وتزهر المعاني والصور الجميلة والايحاءات التي تقودنا إليها لغة شاعرية تعبر عن الحالات الداخلية للوعي.

 لقد أصبحت قصيدة النثر في الوقت الحالي لا تعبر عن أفكار وتطلعات الشاعر فقط، بل انطلقت إلى شعر حداثي بكل ما تحمل كلمة حداثة من دلالة على التجربة والرؤيا، وهذا ما نجده في قصائد ديوان “أسطورة عشق”، ففي قصيدة عقد الولاء تقول:

أنتِ الوفاء …
عمدني بصولجان ولائه
انتفضت وريقات ملكوت الجسد
فاقشعرت راعشةً قهوتنا
أسُدِلَت عيون فاغر الغنج
بشوقٍ معتق أسكره ناهم الثواني
وندى جبين يخبرُ عن كل سؤال لزفرات الليل
يبهت المحيا مصلوبا
وفي قصيدة ليست سوى ظنون
ينازع النفس اقتلاع الجذور.
تحوجني لروحٍ من كوكب فينوس العتيد
بريق يذيب ملامح الجمود
امقتُ الحزن بغموض حدقاتي
بائسون يلقمون الغصة في الريق
تنسلُ أرائك باردة الحرف
وشفاهي مثقلة بصمت بعيد
توجف رؤاي انبثاق بريق
وجه في الزحام تخبئه السنون
يرتعش النبض يفز الضلوع

فهناك بناء قصيدة تحوي على وحدة المضمون بتناسق إيقاعي، من خلال حركة الكلمات ومعانيها في الجملة وأيضا معناها الحر الذي تحلق به. والشاعرة نجحت في جعل المتلقي يستمتع بما يقرأ وأيضا بما منحته من حرية التأمل لما سوف يأتي بالجملة الثانية، وهذا يعتمد على إمكانية الشاعرة وثقافتها وتمكنها من أدواتها البلاغية وخيالها الإبداعي الخلاق والتسلسل المنطقي للأفكار.

الزمن لدى الشاعرة مطلق وليس مقيداً وهذا مهم لتحيا القصيدة وتستمر في عطائها فنقرأ في قصيدة بريق البروج:

يا بريق البروج…
بصُرَت دون ضوعك النجوم
خاتمك الزمردي يفتح بوابة العلياء
يعرج بي من الأديم إلى سماء العلا
حين استذاق العشق
أصل تفاحة الخلد
فاستحال معصر الأفواه
ساقي الشهد
ينازع وجودي سكرات كرمك
وما لبثت أيدٍ
تجلجلني لموطئ الأرض
جذور صدأت
تحاجج إطلالة نسغي
تجثم على رمق الحياة
حتى أواخر النزق
تثرثر بأشواك الغثيان

ان الشاعر الحقيقي يجب ان لا يقف عند حدود بيئته وذاته، وإنما لخلق إيحاء جمالي لحدث موجود ونشعر به و نحسه و نتأمله بأعماقنا ونشتاق للقياه.

 يقول بول إيلوار “لأننا نُحبّ، نُريد تحرير الآخرين من وحدتهم القاتلة”. هذا ما أرادت ان توصله لنا الشاعرة و هي مؤمنه به بكل وعيها فهي تتكلم بلغة الحب وسموه وجماله الذي نطمح بالوصول اليه معها فتقول في قصيدة “التهجد”:

أيتها الروح المتأججة بالهيام
حلقي لملتقى الغمام
غيمتك البيضاء تجلي الرماد
تفيض بذور الحب لألئ نقاء
نواقيس تنجلي
تضئ الأفق في العيون
وهمساتنا ألملائكيه تحاور القلوب
أشرعه تشرع
لرحيل بسفن اليوم الموعود
تحمل جنياً من ثمار العشق
أتوق الوصول

يقول دمون ولسن في كتابه قلعة اكسل ص23: ” كل ما نعرفه من شعور أو حس، كل لحظة وعي، يختلف عما هو سواه، وبالتالي، فمن المستحيل أن نعبر عن أحاسيسنا كما نختبرها فعلا عن طريق اللغة التقليدية العامة التي هي لغة الأدب الاعتيادي. لكل شاعر شخصيته الفذة . ولكل لحظة من لحظاته لونها الخاص، وتركيب عناصرها الخاص، ومهمة الشاعر أن يجد، أن يبتكر اللغة الخاصة التي وحدها تستطيع التعبير عن شخصيته ومشاعره”، وهذا ما سعت اليه الشاعرة وفاء السعد فابتكرت لغتها الخاصة التي تناسب إحساسها ومشاعرها وشخصيتها كشاعرة، بلغة شاعرية ورمزية شفافة وإيقاعات حرة، فهي منحت كلماتها حرية التعبير عن نفسها وأطلقت لخيالها الخصب العنان لتصل إلى أسطورة عشقها ولنستمتع معها بهذه الأسطورة.

 ****

(*) مقدمة الديوان

اترك رد