ترأس غبطة البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي قبل ظهر اليوم الأربعاء 24 حزيران 2015، في الصّرح البطريركي في بكركي، لقاءً روحيّاً لوفد كهنة بطريركية القدس للاّتين برئاسة النائب البطريركي المطران وليم الشوملي، وقد اتوا من الأردن وفلسطين وبعض دول الجوار، ولهم في الخدمة الكهنوتية عشر سنوات وما دون. وتحت عنوان “البُعد الرّوحي في حياة العائلة” والمشاكل التي تواجهها العائلات المسيحية تحدث غبطة البطريرك الراعي، فقال:
“بما أنّ الزواج مؤسّسة طبيعيّة إلهيّة، رفعها المسيح إلى رتبة سرّ، فهو يشكّل جزءًا أساسيًّا من تدبير الله الخلاصي. بهذه الصفات الثلاث للحياة الزوجية والعائلية بعدٌ روحي.
1. كون الزوج والعائلة مؤسّسة طبيعيّة إلهيّة، فبُعدهما الروحي مستمدٌّ من مصدرهما الذي هو حبّ الله للإنسان. لقد أحبّه فخلقه. وعندما سقط في الخطيئة أحبّه وافتداه وأعاده إلى حالته الأولى، أي صورة الله: “خلق الله الإنسان على صورته ومثاله: ذكرًا وأنثى خلقهما وقال: “إنميا واكثرا واملآ الأرض” (تك 1: 28).
روحانية الحياة الزوجيّة والعائليّة هي عيش الحبّ كخروج من الفردية، والتوجّه نحو الآخر، بعطاء الذات والتضحية بالنفس في سبيله. بهذا المعنى، يشبّه بولس الرسول الزوج بالمسيح والزوجة بالكنيسة (راجع أفسس 5: 22-32). وامتدادًا لعمل الفداء، تقوم روحانية الحياة الزوجية والعائلية على الغفران المتبادل والمصالحة.
2. كون الزواج سرًّا مقدّسًا، فإنّ روحانية الحياة الزوجية والعائلية مرسّخة في حياة الله الثالوث. فالسّر هو الأداة لحضور الله الآب والابن والروح القدس فيها. يُمنح الزوجان في السّر المقدّس نعمة إلهية مزدوجة:النعمة المبرِّرة التي تقدّس الزوجَين وأولادهما، والنعمة الحالية التي تعضدهم جميعًا. فيعيش الزوجان والعائلة على شبه اتّحاد المسيح بالكنيسة (أفسس، المرجع نفسه). ما يعني أن المسيح أشرك الزوجَين وأولادهما في حبّه الذي وهب به ذاته للكنيسة عروسته. وهكذا تصبح العائلة “كنيسة بيتيّة”، و”مقدسًا للحبّ والحياة”، وشاهدة للحبّ الحقيقي، والمربّية عليه.
نفكّر بالعديد من الآباء والأمّهات والأولاد الذين تقدّسوا بنعمة السّر وقدسيّة الحبّ وخدمة الحياة، ورُفعوا قدّيسين وطوباويّين على مذابح الكنيسة.
3. كون الزواج والعائلة يشكّلان جزءًا أساسيًّا من تدبير الله الخلاصي، فبُعدهما الروحي هو أنّ الزواج دعوة مقدّسة لخدمة الحبّ الإلهي بحيث يعيش الزوجان في سعادة متبادلة، وتكامل وتعاضد، ويعطي الواحد معنى لحياة الآخر، وبحيث ينقلان بفعل حبّ، على مثال حبّ الله الخالق، الحياة البشرية التي يقبلانها هبة مقدّسة من الله، ويتفانيان في نموّها وتربيتها وجعلها ابنة الكنيسة والمجتمع والوطن.
روحانية الحياة الزوجية والعائلية تُستمدّ من اندراجها في تدبير الله الخلاصي، بحيث يدرك الأزواج والوالدون أنّهم دُعوا لعيش الحبّ وكشف وجه الله غير المنظور، وجه الأبوّة والأمومة والعناية والسهر. ويدركون أن الله أشركهم في سرّ أبوّته، وأنّهم معاونون في إكمال تاريخ الجنس البشري، ويدركون أيضًا أنّ أولادهم هم أبناء الله وبناته، مواطنون في الأرض، ومعدّون ليكونوا مواطنين السماء.
4. بهذه الروحانية المثلّثة ، تستطيع الكنيسة، بعملها الراعوي والأنجلة الجديدة، أن تحرّر الزواج والعائلة من الانحرافات الإيديولوجية والأخلاقية والمادية التي تشوّه وجههما وتوقع ضررًا كبيرًا في المجتمعات البشرية، وتقهقرًا كبيرًا على مستوى أنسنة الإنسان والحياة الاجتماعية”.
ثم طرح الاباء سلسلة من الاسئلة على غبطته تمحورت حول الزّواج والعائلة واوضاع المسيحيين والشهادة للانجيل في منطقة الشرق الاوسط، وفي هذا السياق اعتبر غبطته ان “ارض الشّرق الأوسط، هي الأرض التي وُلد فيها المسيح، ونحن نقول دائماً ونردّد، نحن المسيحيّون عمرنا أكثر من 2000 سنة في هذا الشّرق، أي قبل الإسلام ب600 سنة. وما يجعل مسلمي الشّرق الأوسط يختلفون عن مسلمي باقي البلدان هو أنّنا نعيش في الدّولة معاً وفي الجامعات والمدارس، نقلنا إليهم قيمنا ونقلوا إلينا قيمهم. ألمتطرّفون إذاً ليسوا من هنا، بل إنّهم مرتزقة من دول اخرى. نحن خلقنا الإعتدال. إنجيل يسوع المسيح هنا، ومن هنا ولد المسيح ومن هنا بشّر ومن هنا انطلقت البشارة إلى العالم أجمع. هذا كلام روحيّ، ولكن يقتضي عملاً على الأرض لكي نستمرّ في إعلان الإنجيل، ولكن في الوقت نفسه يجب المحافظة على وجودنا، ونحن نبقى ضدّ الهجرة. هذا هو الموقف الذي يجب أن نتّخذه”.