ترأس بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الارثوذكس يوحنا العاشر اليازجي، قداس الاحد الثالث بعد العنصرة بمعاونة كل من المطارنة الياس الكفوري، انطونيوس شدراوي، سرجيوس عبد، دمسكينوس منصور، سلوان موسي، افرام كرياكوس وجوزيف زحلاوي، الاساقفة كوستا كيال، نقولا اوزون وغريغوريوس خوري، الارشمندريت يعقوب خوري ورئيس معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي الاب بورفيريوس جورجي ولفيف من الكهنة والشمامسة، وقد خدمت جوقة المعهد بقيادة جيلبير حنا.
بعد الانجيل المقدس القى البطريرك اليازجي عظة نوه فيها باجتماع دير سيدة البلمند البطريركي، تحت كنف السيدة العذراء، اكليروسا وشعبا، ومع الاخوة المطارنة والاساقفة الذين توافدوا من سائر انحاء العالم. وقال:
“وجودكم اليوم فرح كبير لنا، وبركة كبيرة في ان نقيم هذا القداس الالهي معكم ايها الاحباء، مع شعبنا الطيب، لاسيما عندما نجتمع حول الكلمة الالهية، حول الحمل الذبيح من اجل خلاص العالم، وان نكون مجذوبين اليه ومتحدين به، بذلك نتحد مع بعضنا البعض ولا احد بامكانه ان يفرقنا عن بعضنا.
الفرح يغمرنا بوجود كل هذه الوجوه الطيبة معنا في هذا القداس الالهي، وهو ما يحمل معاني عديدة، بحيث يعبر بشكل واضح وصارخ عن وحدة الكنيسة، فهذه هي الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسولية، الشعب الطيب، المؤمن، الكهنة والاساقفة والمطارنة والبطريرك، حاملين في قلوبنا الكنيسة جمعاء، في قلوبنا وفي صلواتنا، عندما نجتمع ونتكلم عن الوحدة، يعني ان فرحك هو فرحي، وان حزنك هو حزني، لان ألمك هو ألمي وذلك بغاية الاهمية، لاننا نكون الجسم الواحد في الكنيسة، اذ انه عندما نجتمع ويتوافد المطارنة والاساقفة من ابرشياتهم المنتشرة في الوطن وبلاد العالم لنجتمع في المجمع المقدس ونصلي ونتناقش في العديد من المواضيع والقضايا لان هناك في الكنيسة ما نسميه المجمعية، الشورى والاخوة، وهذه هي صورة الكنيسة الارثوذكسية المجمعية الشاملة والجامعة والواحدة.
الوحدة التي نتكلم عنها في الكنيسة هي ارتباط وحضور وليس شكليا، وليست عواطف، هذا الارتباط وهذه الوحدة تنطلق من الايمان، من دستور الايمان، وهي لا تنتهي عندما يذهب كل الى بيته، بل تتغلغل في قلوبنا وافكارنا وكل كياننا، وتتفجر حياة في كل اشكال تصرفاتنا وحياتنا وافعالنا ومشاريعنا واقوالنا، الكنسية والروحية والادارية والدينية والوقفية وغيرها. نعم هذا الارتباط هو ارتباط عضوي. بحيث ان تألم عضو تألم كل الجسد، واذا فرح عضو بالجسد ينتقل هذا الفرح الى كل الجسد. من هنا فان ارتباطنا، وحدتنا، مجمعيتنا هي متجذرة في ايماننا وحياتنا، هذه الوحدة هي مشتهى صلاة يسوع الى ابيه السماوي، في الصلوات الوداعية عندما توجه الى ابيه السماوي بالقول اولئك الذين اعطيتني اياهم اسألك ان يكونوا واحدا. بالتالي مسيرتنا نحو تماسكنا ووحدتنا وان نلملم بعضنا البعض لاننا نقوى ببعضنا البعض، وان نعبر عن هذه الوحدة.
مسيرة الكنيسة هي هذه المسيرة الواحدة، هي مسيرة البذل والعطاء والانفتاح نحو الاخر، نحن ننظر الى المصلوب الذي رفع على الصليب وبذل نفسه من اجل خلاص كل العالم، هي مسيرة عطاء لكل الناس وكل العالم. وقد تسلمنا هذه الرسالة من الكنيسة التي هي عمود الحق المنتصب لخير العالم. نحن رسل سلام وليس خصام، نحن رسل محبة ووداعة وليس خصومات، يكفينا ما نرى في كل العالم، وحولنا بشكل خاص، وفي لبنان وسوريا، وما يجري في كل المنطقة، نرى القتل والحروب والتهجير والدمار وانتهاك كرامات الناس، والحديث هنا وهناك عن الخصومات وعن التقسيم، لا احد يريدنا ان نكون مجتمعين مع بعضنا البعض، كما قد يكون انهم لا يريدوننا ان نكون متحدين مع بعضنا البعض، لكننا نحن اكبر من ذلك بكثير لاننا لن ندع احدا، من كل قوى هذا الدهر، ان يغدر بنا، ونبتعد عن بعضنا لا سمح الله.
الصلاة التي سترفع، نهاية القداس الالهي، في ذكرى مرور 36 عاماً على رقاد المثلث الرحمة البطريرك الياس الرابع، وذكر عندما ذهب الراحل الى اميركا وقابل الرئيس كارتر الذي قال له ان بناء على كتابات يهودية ان فلسطين هي ارض الميعاد التي وعد بها الله لليهود. فكان جواب البطريرك ان ابراهيم ابو الاباء اليهودي عندما اتى الى فلسطين لدفن زوجته سارة لم يكن لديه مدفن لانه كان غريبا. فطلب حينها شراء مدفن لدفنها. فنحن نتذكر في هذه الايام جميع ابائنا واجدادنا ممن وقفوا وقفة رجال ليس في الشؤون الكنيسة وحسب بل في الشؤون الوطنية والمتعلقة بالبلد. ونحن امام ما يجري في ديارنا وبلادنا نستمر في رفع الصوت عاليا ان هذه الديار وهذه البلاد غالية على قلوبنا، وكما دفع اباؤنا دماءهم من اجل سلام هذه البلاد وخير انسان هذه البلاد، نتابع هذه المسيرة وهذه الطريق، ونحن على استعداد لتقديم كل ما نملك بنعمة الله، من اجل ان نكون رسل سلام ودعاة حق وسط هذا العالم المتوجع والذي يئن وينتظر ابتسامة وكل ما يمكن ان يمنحه راحة وطمأنينة وسط كل ما يتجاذبه من اوجاع.
مسيرتنا في الكنيسة هي هذه المسيرة، بحيث ان مشاريعنا وافكارنا وتصوراتنا هي تلك التصورات التي تجمع وتقود الى الوحدة، واي امر مهما علا، وان قاد لا سمح الله الى انقسام وما شابه هو ساقط بحد ذاته، مسيرتنا مسيرة التضامن والمحبة وان نكون يدا واحدة، لا سيما في هذه الايام التي نعاني ما نعاني فيها. لذلك سنجتمع في المجمع المقدس، في الدورة التي تبدأ الثلاثاء بكل القضايا التي تهم حياتنا وابناءنا، قضايانا امور حياتنا ابرشياتنا، المستجدات الاخيرة على الارض، الهجرة، التهجير، شباننا، اوضاع ابنائنا، كل ذلك ضمن الامكانيات التي تسمح لنا بالمواجهة وليس البكاء على الاطلال، بل باتخاذ خطوات عملية تساهم في ابقاء اولادنا، مسلمين ومسيحيين، في بلادهم وديارهم وارضهم. فنحن لا نحب الهجرة والتهجير والتقسيم والكلمات الغريبة عن آذاننا، وغير المحببة الى قلوبنا. نحن نريد الحق، وان لا يكيل العالم بمكيالين.
بالنسبة إلى قضية المطرانين بولس يازجي ويوحنا ابراهيم، فقد مر على اختطافهما اكثر من سنتين، وحتى الان ما زلنا نسأل ونتابع مع جميع الهيئات والمنظمات والدول، على كافة المستويات، والجواب واحد لا شيئ جديد. وكأن الارض انشقت وابتلعت الاثنين، اذ ان الكاميرات الموجودة في كل انحاء العالم ترى كل شيء الا هذين المطرانين. نحن لا نذكر المطرانين فقط ونكتفي بذلك، انما نذكر كل مخطوف. نريد عودة الجميع من عسكريين ومدنيين وكل مخطوف ليعود الى بيته وعائلته، ويعم السلام ونمسح دمعة الحزن عن كل وجه ان استطعنا لذلك سبيلا.
الدعوة الموجهة للجميع مساء الخميس لاطلاق شعلة المركز الانطاكي الارثوذكسي للاعلام، وهو يأتي ضمن منظومة السعي تجاه شعبنا وضميرنا ووجداننا وربنا وبلدنا بكل صدق، اذ اننا لسنا اصحاب شعارات ورؤى واحلام وتبقى هذه الرؤى احلام، المركز هو ثمرة مؤتمر الوحدة الانطاكية، الذي عقد العام الماضي، وتوصياته التي درست، وقد شكلت لجان للمتابعة، وسيتم البحث فيها في المجمع للتعاون والتعاضد بين كل الابناء الارثوذكس في الوطن وبلاد الانتشار.
عندما نلملم بعضنا ونكون يدا واحدة نكون اولئك الاشخاص المنفتحين، لا نريد ان نكون متزمتين ومتقوقعين، انما على خلاف ذلك نحن نقوى ببعضنا البعض، وعلينا ان ننفتح على الاخر ونطل بالسلام والمحبة على الاخر، وعلى اخوتنا المسلمين بشكل خاص، ونتقدم منهم بالمعايدة ببداية شهر رمضان الكريم، وندعو الله ان يكون هذا الشهر شهر بركة وخير على البلد والعالم. توجهنا للجميع ان نكون دعاة سلام ومحبة ووحدة. وهذه مسؤوليتنا الكبيرة.
“هذه المناسبة تدفعني للحديث عن طائفتنا وكنيستنا. لاننا نريد التعاون مع بعضنا البعض، وكسر الهوة التي نشعر بوجودها في بعض الاوقات بالحديث عن الاكليروس والشعب. اذ ان الاكليروس والشعب واحد، كلنا واحد، وكلنا اخوة، اكليروسا وشعبا، والكنيسة واحدة وهي تخص الجميع، ونسعى لذلك ونفكر كيف يتم ذلك، هذا تطلعنا ونسعى اليه بكل جد، حتى بنعمة ربنا نؤدي الشهادة التي يراها الجميع، بمحبة بعضنا البعض، واعمالنا الصالحة. يقول الانجيل سراج الجسد هو العين، لانها هي من ترشد الانسان الى النور كي لا يمشي في الظلام، فاذا كانت عينك بسيطة، طاهرة وبريئة انذاك جسدك كله يكون نيرا. واذا كان النور الذي فيك ظلام فالظلام كم يكون. من البطريرك الى المطارنة والمجمع المقدس الى الاخوة الوزراء والنواب والمسؤولين وابناء هذا البلد والى كل انسان هذه الاية الانجيلية موجهة لتذكر كل واحد منا ان يكون تلك العين النيرة الطاهرة ليقود شعبة الى مرتع الخلاص.
يقول الرسول بولس: لا تخف، الظلمة ظلمة والعتمات عتمات، والصعوبات صعوبات وهذا حق، انما اتوجه عبر فضاء واثير الاعلام الى كل اخوتنا في الوطن وبلاد الانتشار، واقول لا تخافوا، لان الرسول قال لنا لنبقى في سلام مع الله بربنا يسوع المسيح ، وليس هذا فقط لاننا نفتخر ايضا بالشدائد، عالمين ان الشدة تنشئ الصبر، والصبر ينشئ الامتحان، والامتحان ينشئ الرجاء، والرجاء لا يخزي. لان محبة الله قد افيضت في قلوبنا. فلتفض محبة الله في قلوبكم جميعا. وان نكون سويا ونشهد للعائلة الواحدة، شهادة ان تعالى وانظر كيف نتعاطى مع بعضنا البعض، ونكون اداة شهود له”.
تخلل القداس ترقية الكاهن فيليب هول إلى أرشمندريت وإلباسه الصليب. وفي نهاية القداس أقيمت ذكرى 36 لوفاة البطريرك الياس الرابع.