أيُّ وعْــدٍ لأيّامنَــا ؟

الشاعر محمد بنيس

يصعب عليّ، اليوم، أن أعرف بوضوح ما أصبحنا عليه في العالم العربي. بل حتى كلمة “العالم العربي” mhamad-banis1أجد نفسي متردداً في النطق بها، وأشعر بحيرة عند استعمالها في كتابة أو حديث.

 أفضّل التفرغ لكتابة قصيدة، بدلاً من هذه الضائقة في الوصول إلى معرفة واضحة، ومن الحيرة في استعمال عبارات أصبحت شديدة الالتباس. تفضيلُ التفرغ لكتابة قصيدة هو مجرد كناية عن عدم الخضوع لاستعمال كلمات خارج سياقها، والنأي عن الكلام في موضوع لم يعد موضوعاً.

 الشعر هو الحياة. ولذلك فإنّه يعلمنا أن نفكر في الحياة بطريقته، وبطريقة غيره على السواء. أيْ أن الشعر يعلمنا كيف نتعامل مع التاريخ والفلسفة والفنون، مثلما يعلمنا الإنصات إلى المجتمع والسياسة والاقتصاد، دون أن نكونَ خبراء، حسب المعايير العلمية، التي يتطلبها كل مجال من هذه المجالات.

 لذلك كان رولان بارت كتب بأن الأدب (وليس الشعر وحده) خزّانُ المعارف. لا مبالغة في مرتبة كهذه. لأن الحياة ليست مجزأة، ولأن الشاعر، بلغته الشخصية، وتجربته الداخلية، ينفذ إلى أقاليم غيره ليفيد منها في كتابة القصيدة.

 ذلك ما أعني من أن الشعر هو الحياة. وهو ما أجدني مشدوداً إليه، في زمن الشدّة التي نعيش فيها. فالشدّة ترغمني على أن أراها في الكلمات، وأعيشها خارج الكلمات.

 كل واقع له مقدارُه من الكلمات. لذا فإن استعمال الكلمات لعبة، ولكنها لعبةٌ مسؤولةٌ وخطيرة. ولا يمكن بعد هذا أن نعامل الكلمات بلا مبالاة. فهي تراقبنا وتسائلنا، حتى ولو كنّا نتوهّم أنها تحت سيْطرتنا، وأنها خرساء، لا تنطق إلا بما ننطقها به. مثل هذا الفهم سطحي، وعاجز، لأنه لم يتعلم كيف ينظر إلى أقاصي اللغة، في الشعر والأدب والفلسفة. ومن حسن الحظ أن الوعي بفضاء اللغة، يجنبنا الغطرسة أمامها.

اترك رد