مشكلة نفايات، أم عجز في النظام؟؟

مازن عبّود

 اصدر مجلس الوزراء القرار رقم 1 تاريخ 12/1/2015 صحح بموجبه قراره تاريخ mazen-aboud-130/10/2014 والمتعلق بالنفايات الصلبة. إلا انّ كل ما اقر لم يكن خطة فعلية قابلة للتنفيذ إذ إنه:

 أولا، لم يتم تحديد مواقع المطامر بل ترك إلى القطاع الخاص مسؤولية تحديدها أي تفويض القطاع الخاص بما يتوجب على الدولة القيام به وما عجزت عن القيام به.

 ثانيا، ترك إلى المتعهد حرية انتقاء تقنية معالجة النفايات في نطاق عمله. فكأنّ الدولة تتخلى عن مهماتها في التنظيم والتخطيط إلى الشركات.

 ثالثا، منحت الحكومة المتعهد مهلة شهرين فقط لتسعير الملف وتأمين التمويل اللازم، للبدء بالمشروع ولإيجاد المواقع والحصول على الخرائط والموافقات المطلوبة والمستندات القانونية، مع ما يتطلبه ذلك من القيام بالدراسات الهيدرولوجية والجيوتقنية للتأكد من مدى صلاحية المواقع لاستخدامها كمطامر.

 رابعا، نص القرار على ضرورة أن يقوم المتعهد مباشرة بعملية التشغيل خلال فترة ستة اشهر من تاريخ توقيع العقد أي بمعنى آخر القيام بـ :

 – شراء المعدات والآليات المطلوبة للقيام بالمهام المنصوص عنها في العقد،nifayat

 –  إيجاد العناصر البشرية اللازمة وتوظيفها وتدريبها،

 – تجهيز الأراضي وتنفيذ الإنشاءات،

 – الحصول على كافة التراخيص بعد إعداد دراسات الأثر البيئي EIA.

 خامسا، اتى في القرار انّ فترة العقد هي سبع سنوات قابلة للتجديد ثلاث سنوات بقبول الطرفين. مما سيؤدي فعلياً إلى ارتفاع أكلاف المعالجة لاسترداد المبالغ التي وظفت في الاستثمار.

 بناء على ما تقدم، وبعد درس وطول تأمل، ضحكت. فهل يعقل أن يقر مقام مجلس الوزراء مثل هذه الورقة، تحت تسمية خطة؟؟ وهل من اقترح القرار على طاولة الحكومة يعرف حقا ملفه؟ الم يبلغه أحد أنّ القرار يفتقر إلى أدنى الشروط المطلوبة كي يطبق؟؟

 وبعد طول تفكير، شعرت أنّ ثمة من يحاول الاستهزاء بعقولنا لكسب الوقت والهاء الناس. على ما يبدو كانت ثمة رغبة بتأجيل المشكلة إلى حكومة أخرى بالحد الأدنى ، إذ لم يكن إقرار الورقة لاخفاء عجز ما، أو خلل ما أو تواطؤ ما.

 وتجدر الإشارة إلى أنّ ملف النفايات الصلبة سيعود رويداً رويداً إلى الواجهة مجدداً كي يحتل مكان الصدارة في الساحة الوطنية مع حلول الصيف والاصطياف وارتفاع الحرارة. وأخشى أن يتحوّل إلى كابوس متفجر مع نهاية حزيران الجاري وانتصاف شهر تموز المقبل، أي مع نهاية الفترة التي اعطتها الحكومة لإيجاد حل بديل عن مطمر الناعمة واقفاله بصورة دائمة. من نسأل اليوم عن فشل الملف ومن نحاسب؟ المشكلة أنّ غالبية القيمين على الملف هم من الوزراء، ولا يرغبون أن يكونوا مسؤولين. من المسؤول عن الفشل؟ سؤآل برسم من يرغب التفتيش.nifayat 1

 يطل تموز ولا اجد بوادر أو سعياً فعلياً لايجاد حلول بديلة لأزمة النفايات، لا بل اشتم فشلا مدويا. فالمنقاصات قد فشلت، كما توقعت منذ ستة اشهر، وأعيد الملف إلى مجلس الوزراء لاعادة التلزيم. وبدأنا نسمع كلاما في الكواليس عن رغبة من قبل بعض الممسكين بالملف بزيادة الصادرات عبر ارسال النفايات إلى أوروبا لمعالجتها، مع ما يرتبه ذلك من مضاعفات مالية ومعنوية. فهل وصل بنا العجز إلى هذا الحد؟ أما يفترض بنا البحث عن أسواق جديدة للصناعة اللبنانية وتعزيز القطاعات الخدماتية وتطوير السياحة لتأمين حاجاتنا من العملات الصعبة لتمويل الإيرادات؟؟

 اعتقد أنّ تصدير النفايات سيستنذف احتياط العملات الصعبة في البلد. كما أنه يعكس حالة عجز لنظام ليس بمقدوره أن يعطي المواطن أدنى مقومات العيش، في بلد نحلم ان يكون “وطن النجوم”.

 فهل نحن بحاجة الى طائف جديد يعيد تحديد الاحجام فيصار الى تشكيل صيغة جديدة لحل مشكلة النفايات (تقاسم المغانم) على شاكلة ما حدث قبلا؟

 مشكلة “النفايات الصلبة في لبنان تبدو للوهلة الاولى تقنية، إلا أنها تخفي كما لايستهان به كما من القمامة الطائفية والمناطقية لأمراء يرغبون بتقاسم المغانم على حساب الناس حتى في النفايات.

 أخشى أن تكون مشكلة النفايات مؤشراً لاضمحلال المواطنين في بلدنا لحساب الرعايا، والمجتمع المدني لحساب المجتمع الغنمي. ما يجري يدفعنا إلى لعن الديمقراطية اللبنانية التي رذلت المحاسبة وأطلقت العنان للتعبير حصراً. فصارت ديمقراطيتنا كلاماً في كلام، وطقوسا تخفي عيوب الطائفية والقبلية والمناطقية.

 إنّ مشكلة النفايات في لبنان انعكاس لخلل بنيوي في دولة يتحكم بها حفنة. حرروا النفايات من غيكم ودعوا الناس تعيش بالحد الأدنى من الكرامة الإنسانية.

 أيها الناس تغيّروا، استفيقوا، استعيدوا كرامتكم فلا تعودوا مملوكين، انتفضوا كي يسلم البلد ويبقى ما تبقى منه لكم.

 *****

(*)  ألقيت في الندوة حول “ملف المطامر ومكبات النفايات”  من تنظيم جامعة الحكمة ومركز قدموس (مركز دراسة النزاعات وسبل حلّها).

اترك رد