بالمحبة ننوجد

البروفسور الأب يوسف مونس

الله محبة هو. ولامحبة الا بالخروج من الذات والذهاب الى لقاء الآخر وحبه واحترامه والاغتناء بغيريته mouanesواختلافه. الحب هو في اساس الوجود الانساني وكينونته.

وهو البعد الفلسفي واللاهوتي والنفسي والاجتماعي لنمو الشخص الانساني وترقيه وسكينته.

فبالمحبة نتوحد وكل بغض او كراهية للآخر هو اعدام لوجودنا نحن اولاً.

معضلة العنف والتطرف والارهاب والترويع تكمن في رفض الآخر المفترق وكرهه وبغضه واعدامه والغائه وقتله وهو اولاً الغاء للذات وقتلها.

الآخر المختلف عني معتقداً وتصرفاً وسلوكاً وتفكيراً هو افق المرآة التي تعكس لي جمال وجودي ونبض حياتي. واي اعدام للآخر هو اعدام لنفسي. لانه لا كينونة ولا انوجاد للذات المنفردة.

«الانا» الوحيدة لا معنى لها ولا وجود لكيانها. الانا لا تكون الا مع «الانت»، اي مع الآخر الذي ينظر الي ويحبني ويعطي معنى لوجودي. هذا الآخر ينتشلني من الغياب ويحضّرني في الحب والجمال والمشاركة في الوجود، والسير معاً. الانسان في جوهره «ذاهب الى». وهو كائن «المعية». ان تكون، هي ان «تكون مع» ومع الآخر ترحل الى افق الحياة والحب، والحق والخير والجمال، الى الانسان، الى الله.

mouanes 1

جانب من المؤتمر

 الآخر دربنا  الى السماء بالمحبة

لا صعود لنا الى السماء الا بواسطة الآخر وحبه. اذ لا يمكن ان نقول اننانحب الله ونحن نبغض اخانا الانسان. فنحن كذبة. كل قتل للآخر، كل اعدام للآخر، كل ذبح، كل قطع رأس، هو قطع لوجودي أنا اولاً وذبح لكينونتي واعدام لحياتي. انه جحيم العزلة والغربة والتوحد. لا حضارة الا بالتعدد وعشق الرحيل الى الآخرالذي ليس هو الجحيم كما يقول سارتر L’enfer C’est Les autres.

قبول هذا الاختلاف او الغيرية او التنوع واحترامه والاغتناء به هو جوهري لوجودنا. لذلك اسمحوا لي ان اقول هذه الفكرة الصادمة: الوثنية اغنى الحضارات.

حضارة روما واثينا وغيرهما من الحضارات قامت على تعدد الالهة وتنوعها. تنوع ووحدة اجتماعية وسياسية. ليس «زمن الجاهلية» هو زمن دوني حسب ما هو متوارد انه الزمن الاخصب في تاريخ الشعوب والحضارات. تعدد الالهة الوثنية اعطى اجمل الآثار واروعها واضخمها : بعلبك، افاميا، تدمر ، الجرش، بابل، الاهرامات.. فالسعي لاحادية العالم العربي هو ركض مجنون نحو موت الحضارة.

التربية اساس الانسنة

التربية على قبول الآخر المفترق وعلى احترامه هي الاساس للانسنة لسلوكية سوية والابتعاد عن الحالة «القايينية» التي تدفعنا الى قتل اخينا هابيل، او حرق او صلب او ذبح البريء او نهشة او افتراسه في حالة «ذئبية» صارخة فاجرة كما يقول هوبس. او كما يقول هيغل ان الانسان رغبة دائمة لقتل الآخر. هنا يمتزج العنفي بالمقدس. فيقدس العنف ويؤله الاضطهاد، ويدنّس المقدس ويلوّث بالدم البريء يديه. الذي يصلي: اللهم اجعل حظي مع الضحايا وليس مع الجلادين لان الضحية تفتدي نفسها وتفتدي الآخرين. هنا تقتل الخطيئة فاعلها وطريق الوصول الى الله هي بالتصوف وإخلاء الذات لان العدل الالهي مبسوط على الكون فانت كافر عندما تكفر الآخرين وعلينا ان نعرف ان المقدس مرتبط في جذوره بالعنف كما يقول رينيه جيرار في كتابه Le sacre et la violence.

لا تقتل الضحية لانها بريئة، لكن اذا لم تقتلها فهي لا تستطيع ان تكون ضحية. لذلك عليك قتلها لتتجمل بالشهادة والفداء. هذه الجدلية تجعل العنف في قعر المقدس وفي مهدويته الينبوعية. دون ان تبرره فهي تعرف منبعه. لذلك ان الحب وحده والمصالحة والسلامية تروّض العنف وتضبط وتمنع التطرف من جرف السدود العاصفة فينا لقتل الآخر واعدامه ونهشه كما في الوليمة الطوطمية عند فرويد فلذة الحياة ولذة الموت هما وجهان لايقونة واحدة كما عند الاغارقة.

من هنا لا مجال للسلم الا في المحبة والحوار والجمال. وعلينا ان نعرف ان الفرق كبير بين

حب الله theolofia

حب الفلسفة philiosophia

حب الجمال philocolia

الافتتان بوجه يسوع ومريم قاسم مشترك بين الاسلام والمسيحية.

فالجمال وحده كما يقول دوستيوسكي سينقذ العالم وهو في لهب العشق والتصوف وبذل الذات عن الاخرين وليس بذل الاخرين عنا. عندئذ نخرج من الحديث مع الذات sologue

التكلم مع الذات monologue

الحوار مع الاخر dialogue

في ثنائية الحب واعطاء الذات طاقة تبادل الوجدانيات reciprocite des consciences وليس القاء الرعب والارهاب في قلبه لنبني حضارة المحبة والحياة وليس حضارة الدم والموت والبيارق السوداء والاوجه المقنعة.

mouanes

جانب من المؤتمر

التربية على المحبة

من هنا دور الدين ان يربي على المحبة والسلام والتنوع، وعلى الحضارة ان تبني حضارة المحبة وليس حضارة الموت بل الحياة وتقييم الدين مع الحضارة سلم قيم لا تسمح بمس الابرياء والاطفال والنساء والشيوخ والمرضى والرهبان ومن كرّسوا ذاتهم لخدمة الله والانسانية: (كالصليب الاحمر مثلا) لنقف معاً في وجه هذه البربريات الجديدة حيث تباع النساء سبايا، والاطفال هدايا وتقطع رقاب الاسرى والرجال والنساء والاطفال الابرياء وتدك الحضارات وتهدم دور العبادة والكنائس وهذا ما حرمه الاسلام والمسيحية وهذا ما سمعناه من الاجلاء المحاضرين. علينا تنقية ذاكرتنا والتوبة الى الاخر.

ويُفتى بأن الشمس تدور حول الارض وان الله سمح بجهاد النكاح واخذ السبايا وترفع في العالم الاعلام السوداء الحزينة والقلوب المظلمة بدل ان ترفع رايات الحب البيضاء والاخوة السمحة وبدل ان تُكمّ أفواه «معاتيه» ومهابيل ومجانين الفتاوى الدينية الكارثية على الاخلاق وعلى القيم وعلى العقل وعلى السلوك، والمسيئة والمشوّهة للدين خاصة للاسلام الحقيقي ولصورة المجتمعات الحضارية المشرقة الراقية اسمحوا لي في هذا المجال ان احيي جميع من وقف ضد هذا العنف من قداسة البابا فرنسيس الى جميع البطاركة والعلماء والناس الاحرار وبخاصة موقف الازهر بعد اعلانه الاخير بقطع ايدي وارجل ورأس من يقوم بهذه الاعمال الوحشية وعن فتواه البارحة ضد ذبح الرجال والنساء والاطفال الابرياء.

الوقوف تجاه العنف

الوقوف ضد العنف والاضطهاد واستنكاره وادانته يقتضي منا جميعا وقفة قوية وجريئة في الاعلام المكتوب كما هي هنا الحال اليوم وشبكات التواصل الاجتماعي والمسموع والمرئي والكنائس والمجامع ومؤسسات التربية والتنشئة والتعليم والتثقيف والاغنية لردع هذا الوحش الاتي علينا من جميع الجهات في عالمنا المعاصر الذي لا يمكن وصفه الا بزمن الهمجية والتوحش والتكفير والهبل الديني والعقد الجنسية لذلك نحن نصلي ليبعد الله عنا شره وويلاته وظلاميته وعماه.

ولتبقى في العالم اصوات، كما في هذا المؤتمر الهام، كمصابيح ضياء لمستقبل الايام الآتية فيكون لنا على الارض بمحبة الله ومحبة اخينا الانسان بعض ايام السماء، لان الله في جوهره محبة هو رهان رحيم وحنان وعنايته البرية وهذه هي سدودرنا وابراجنا المرفوعة في وجه عواصف العنف والتطرف والارهاب والتصدي والسقوط الى جحيم الموت والدمار او الى نهاية التاريخ كما تنبأ عليه خطأ فوكوياما وهندغشن. فأنا ارى كما في سفر الرؤيا سماء جديدة وارضا جديدة وانسانا يولد من رحم الخطيئة والظلام اوقفوا نهر الدم وتعالوا الى عرس الله.

ولا تنشدوا نشيد الخجل القائل ايها العار المجد لك» واحرصوا على الا تنسوا ان التاريخ لن ينسى وذاكرته ستحمل عار همجيتكم ووحشيتكم وبربريتكم وعندئذ يصح فيكم كلام ابن خلدون في «المقدمة» «ما دخل العرب ارضاً الا وسبقهم اليها الخراب”.

ونقول لكم ما قالته ام ملك الاندلس وهو يهرب باكياً من هناك «لا تبكِ كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال”.

mounazama

 ****

 (*) الكلمة التي القيت في 28 ايار 2015 في المؤتمر العالمي الخامس عشر في الاسكوا تحت شعار «الاديان والحضارات ودورها في مواجهة العنف والتطرف”.

اترك رد