افتتاح مدرسة الخوري يواكيم مبارك في قنوبين حبيس الروحانية النسكية في العالم

لمناسبة إفتتاح مدرسة الخوري يواكيم مبارك في دير سيدة قنوبين ترأس المطران مارون العمّار، النائب البطريركي على الجبة والمشرف على “رابطة Youakim-Moubarac-1قنوبين للرسالة والتراث”، قداساً عاونه القيم الأبرشي الخوري خليل عرب، بحضور رئيس رابطة قنوبين نوفل الشدراوي، رئيس بلدية كفرصغاب غسان ساميا، شقيقي الخوري مبارك اسحق وشارل وحشد من اصدقائه والرهبان والراهبات والمنتسبين الى المدرسة من من المناطق اللبنانية المختلفة.

 إرث ثقافي وروحي

 ألقى المطران العمّار عظة اشار فيها الى ان مدرسة الخوري مبارك لقنوبين تندرج في اطار برنامج أعلام الوادي المقدس من مشروع المسح الثقافي الشامل لتراث الوادي الذي تحققه رابطة قنوبين للرسالة والتراث . وتهدف إلى إبراز الإرث الثقافي والروحي الذي تركه أعلام هذا الوادي، والخوري مبارك في طليعة المعاصرين منهم…

قال: “جسد الخوري مبارك في حياته الكهنوتية الروحانية النسكية التي تشكلت في قنوبين ، وطبعت الهوية الروحية للكنيسة المارونية . وأعطاه الله وزنات فكرية ثمينة نشر ثمارها في لبنان والعالم ، وتبوأ مناصب ثقافية وأكاديمية عالية، وقارب قضايا محورية في لبنان والشرق، ولم يكن في ذلك كله سوى ناسك روحانية قنوبين النسكية في العالم .moutran-ammar

استوحى هذه الروحانية ومقوماتها الأساسية من عيش الفقر والصلاة والوداعة الإنجيلية والتبشير بكلمة الله، كلمة المحبة والانفتاح والحوار المسكوني والحوار مع الاخوة المسلمين، ناهلاً من قنوبين، من تاريخها ومن جغرافيتها. نهل من تاريخها قصة شعب عاش التقشف وروح التخلي لينعم بخيرات الروح، ومن جغرافيتها الصلابة والشدة للرسوخ في الايمان. من قرأ هذا التاريخ فوق هذه الجغرافية أدرك اكثر الرسالة التي شاءها الله من قنوبين، رسالة الإيمان بالله والتمسك بالحرية في الوطن.

الخوري يواكيم مبارك ناسك قنوبين في العالم هو مثال القديس شربل ناسك محبسة عنايا. فشربل عاش النسك في محبسته المعروفة، ومبارك عاش النسك في روحانية قنوبين في العالم. لذلك انتهى به المطاف بعد كل جولاته وتنقلاته ومسؤولياته وتعليمه إلى قنوبين، فاتحاً طريق العودة الروحية إليها، ومشرعاً أبوابها لعالم متعطش إلى الخلاص بقيم الروح والفضائل الأخلاقية”.

وحيا المطران العمّار الأخت لينا الخوند مديرة دير سيدة قنوبين لجهودها مع سائر الراهبات لانعاش الحياة الروحية في الوادي، والمحاضرين الذين سيتوالون على القاء المحاضرات وفق البرنامج المعد والتي ستصدر تباعاً في كتب .

 هوية الكنيسة

 بعد القداس أقيمت صلاة تبريك قاعة المدرسة، وألقى الأب يوسف طنوس محاضرة بعنوان “هوية الكنيسة المارونية ودعوتها ورسالتها”، جاء فيها: إنّ هوية الكنيسة المارونيّة تتركّز على يسوع المسيح، ومقوّماتها تنبع أساساً من مؤسّس “المارونيّة” أي من مار مارون وتلامذته الرّهبان. تعامل الموارنة وتعايشوا مع السريان والروم والعرب والمسلمين والصليبيين والمماليك والعثمانيين والدروز، دون أن يتخلّوا عن دينهم وقيمهم. لم يكونوا يوماً منغلقين على ذاتهم أو “انعزاليين”، وهم إلى الآن موجودون في كلّ القرى المختلطة، رغم الفوارق والمشاكل التي اعترضتهم وتعترضهم. وهذا نابع من انفتاحهم والروح المسكونية التي يتميّزون بها.janeb-min-al-houdour

وإلى جانب هوّيتها السريانيّة الإنطاكيّة  تتميّز الكنيسة المارونيّة بهويّتها الرّهبانيّة التي تتميّز بها عن سائر الكنائس. مؤسّسها راهب ونواتها أديار رهبان تكوكبت حولها العائلات والبلدات. إنّها طائفة رهبانيّة.

فالموارنة قبل أن يتجمّعوا حول البطريركيّة المارونيّة بعد نشأتها سنة 685، تجمّعوا أوّلاً حول الأديار الرّهبانيّة التي كانت مرجعاً لهم في أمورهم الروحيّة والزمنيّة. وهذا طبيعي، لأنّ البطريركيّة المارونيّة لم تتأسّس قبل عام 685، بينما الموارنة وُجِدوا مع القديس مارون أي قبل سنة 400 للميلاد.

والمارونيّة، لم تكن حركة إنفصاليّة في الكرسي الإنطاكي كما يزعم البعض، بل كانت حركة رهبانيّة تصحيحيّة في الكرسي الإنطاكي. فنظراً لشغور الكرسي البطريركي مع وفاة البطريرك أثناسيوس الثاني في أيلول سنة  609، ونظراً للفتح العربي، فقد عمد الإمبراطور البيزنطي إلى تعيين بطريرك لإنطاكية يسكن في القسطنطينية عاصمة الأمبراطورية. فقام عندئذ رهبان دير مار مارون بتلك الحركة التصحيحيّة من خلال انتخاب بطريرك لإنطاكية يُقيم في دير، بين رهبانه وقرب شعبه.

وتطرق الى دور الكاهن في الكنيسة المارونيّة الذي لا تقتصر مهمّته على إقامة الذبيحة الإلهيّة والإحتفال بالأسرار والرتب فقط، بل تتعدّاها إلى تفقّد أحوال أبناء الرعيّة والتعرّف إليهم شخصيّاً ومرافقتهم في شتّى أحوالهم. فهو بمثابة الأب الذي يهتمّ بكلّ أبنائه.

كذلك تناول النهضة الموسيقية الليتورجية التي بدأت مع الراهب جرمانوس فرحات (المطران في ما بعد) لأنه أول من ألّف ألحاناً للمزامير في اللغة العربية ، وقد نوّطها في ما بعد إميل بطق في حلب ونشرها الخوري جرجس عزيز الجزيني في كتابه “قسطاس المزامير” الذي أصدره سنة 1901، ويجب أيضاً، ذكر الراهب عبداللّه قرعلي نظراً لإنجازاته الليتورجيّة- الموسيقيّة من الإفراميات ومن ترجمة ألحان القداس الماروني من السرياني إلى العربي .

وأشار إلى البعد الروحي للأرض عند الموارنة. فالعمل في الأرض كان وسيبقى من مقومات الحياة الرهبانيّة والمارونيّة. وقد طبع الموارنة الأرض بروحانيتهم وأخلاقهم، وإذا أردنا العودة إلى الجذور ، يجب أن نعود للعمل في الأرض.

 وشراكة الأرض كانت في تاريخ وأساس انتشار الموارنة في كل لبنان، خاصّة في المناطق الدرزية من خلال البطاركة والرهبان الذين اصطحبوا معهم في انتقالهم بعض العائلات المارونية التي كانت تعمل معهم في الأرض وتسكن بجوار الأديار.

 لاحظ أن الخطر الذي يتهدّد الموارنة في موضوع الأرض، هو الهجرة الكبيرة والنزوح الكثيف من الأرياف إلى المدن، فسبب ذلك إهمالاً للأرض وتركها بوراً من جهة، وتحوّلاً في المجتمع الماروني من مجتمع زراعي (حتى بعض أعيادهم كانت زراعية) إلى مجتمع تجاري، خدماتي وصناعي، وهذا أثّر سلباً على أخلاقيّة الموارنة وروحانيتهم وتقاليدهم

والمسيحيّة تؤمن بالتّجسّد، والموارنة جسّدوا إيمانهم في عيشهم في القرى وارتباطهم بالأرض، وكانت الكنيسة راعية لهم. أمام الهجرة والنزوح إلى المدن، على الكنيسة أن تعي المشاكل التي ستنتج عن هذا التغيير الديموغرافي وتعمل مع الدولة في سبيل الحفاظ على الأرياف وعلى الأرض .

وتناول كون الكنيسة كنيسة نسكية متقشفة في شراكة مع روما وفي كونها كنيسة عالمية الانتشار ، معالجاً علاقة موارنة الانتشار بالبطريركية الأم ، ومشدداً على ضرورة تعميق ارتباطهم بها .

وختم قائلاً : الكنيسة السريانية الإنطاكية المارونية كنيسة عريقة في القدم، رسولية في توجّهاتها، إنطاكيّة في جذورها المشرقيّة، عالميّة في انتشارها، جامعة حضارتي الشرق والغرب في عيشها، شاهدة وشهيدة للمسيح في اضطهاداتها، قدّيسة في قدّيسيها. هوّيتها تنبع من عيشها المبني على الشهادة للمسيح، قولاً وعملاً. فليس عن عبث وُجِدت في هذا الشرق، وليس صدفة أو بقوّتها الذّاتية لا تزال موجودة فيه. إنّها العناية الإلهيّة التي ترافقها لتكشف لها دعوتها ومشيئة اللّه من خلالها.

تبع ذلك نقاش ، فتوزيع كتيب سيرة  الخوري مبارك ، من اصدار “رابطة قنوبين للرسالة والتراث” . يشار الى ان الندوة التالية في المدرسة تنعقد بعد ظهر السبت 27 تموز/ يوليو الجاري .

 كلام الصور

1- الخوري يواكيم مبارك.

2- المطران العمّار في صلاة تبريك قاعة المدرسة.

3- جانب من الحضور.

اترك رد