رعى البروفسور فيليب سالم حفل تخريج طلاب جامعة سيدة اللويزة في منطقة زوق مصبح-كسروان شرق بيروت، وألقى في المناسبة كلمة حث فيها الشباب أن يصنعوا وطناً جديداً يليق بتاريخه وألا يقعوا في الأخطاء التي وقع فيها جيله اولها فشله في صنع وطن، مما جاء في كلمة البروفسور سالم
هذه اللحظة هي “تاريخية لكم ولبنان وللعالم العربي… إن المخاض الذي يعيشه العالم العربي اليوم، لم يشهده هذا العالم من قبل. ولكن انظروا حولكم. هذا هو الشرق كله في قبضة العنف. وهذا هو العنف يكاد يغتال الثورة ويدمر أهدافها. لذا جئنا ندعوكم إلى نبذ العنف بكل أشكاله، والقيام بعملية التغيير التي تحتاجها أوطاننا بالطرق السلميّة والحضارية. نحن من دعاة اللاعنف ونؤمن بأن الثورة الحقيقية تكون بالتمرد الحضاري اللاعنفي حيث يتمرّد المرء على واقعه كل يوم ليكون غدُه أفضل من يومه وليكونَ هو كلَّ يوم أفضل من نفسه”.
انظروا مرة ثانية إلى هذا الشرق، فماذا ترون؟ ترون أناساً يتقاتلون وأناساً يموتون باسم الله وباسم الدين. في هذه الأرض، جاء النبي موسى فعلّم وأوصى؛ في هذه الأرض جاء المسيح فصُلِب ومات ثم قام من موته؛ في هذه الأرض جاء النبي محمد رسولاً لله وجاء برسالته. هذه الأرض هي أرضنا، وهي منبت الحضارة. نحن نقول لا، ونرفض أن تتحوّل هذه الأرض إلى مقبرة للحضارة”.
احلموا أحلاماً كبيرة، أحلاماً أكبر من الوصول إلى المال والشهرة والسلطة، أحلاماً أكبرُ منكم، إذ أنكم تجهلون اليوم ما أنتم قادرون على صنعه غداً. هناك سرّ يعرفه الله وحده جيداً وهو أنّه خلق الإنسان بعقل لا حدود له، ونفس لا حدود لها وجسد لا حدود لوظائفه… لقد تعلمت من تجربتي في الطب أنه ليس هناك شيء مستحيل وليس هناك نفقٌ بدون ضوءٍ في آخره. ما قد تعتقدُه غيرَ ممكن اليوم قد يُصبح ممكناً غداً. إن عملية الانتقال من غير الممكن إلى الممكن تتطلب الكثير من الشجاعة والمثابرة والتدريب: تدريب العقل وتدريب النفس وتدريب الجسد. هذا هو السرّ وراء المعجزة. أما السرّ الآخر هو أن كل واحد منا قادر على صنع المعجزة.
أيها الخريجون تعلّموا من أخطاء غيركم، كثيرون حاولوا أن يتسلّقوا إلى القمّة، وعندما وصلوا إليها، وجدوا القمة سراباً. كانت القمة سراباً لأنهم في صعودهم السلم كانوا يبيعون شيئاً من أنفسهم عند تسلّق كل “درجة”، وعندما وصلوا الدرجة الأخيرة كانوا قد باعوا كل شيء عندهم. عند ذلك أيقنوا أن من لا يمتلك نفسه لا يمتلك شيئاً.
لا تعتقدوا بأن الوصول إلى النجاح يأخذ إلى العظمة؛ إن النجاح وحده ليس كافياً لكي تصلوا إلى العظمة، عليكم الارتقاء إلى المحبّة والتواضع، هذه القمة هي أعلى قمة يمكنُك التسلّق إليها. وعندما تتربع على هذه القمّة تلتصق بأخيك الإنسان وتُصبح معه واحداً. عند ذلك يملؤك الفرح الإلهي، وترتفع إلى فوق.
جيلنا فشل في صنع وطن يليق بهم، وأدعوكم إلى العمل لصنع لبنان جديد يليق بتاريخه ويستحق مجده… أربعون سنة من الألم ولم “يحرّرنا الألم بعد من قشورنا”؛ أربعون سنة ونحن نقتل هذا الوطن وهو يرفض أن يموت. ولكي لا يموت تعالوا نقف عراةً أمام وجه الشمس ونركعُ أمام الله نطلب منه التوبة فلعل السماء تغفر لنا ونعود كلّنا إلى حقيقتنا، نعود إلى براءتنا، نعود إلى بيتنا، نعود إلى لبناننا… وغريب هذا اللبنان، كم زرعنا فيه من الحقد وهو لا يزال غيرَ حاقد علينا، حاضراً دائماً ليضمّنا إلى صدره. فتعالوا نضمه إلى صدرنا.
اذهبوا واعملوا واررعوا في الأرض؛ وإن تركتم لبنانكم، خذوا معكم حفنة من ترابه لكي لا تنسوا من أنتم ومن أين أتيتم ومن هم أهلكم وأي أرض في الأرض هي أرضكم. وتذكروا دائماً أنّ هذه الأرض هي وحدها من بقاع الأرض كلها التي تغفر لكم وتشتاق دائماً إليكم. فاثبتوا في محبّتها كما هي ثابتة في محبّتكم.
بياض قلب وكفّ
كان مدير العلاقات العامة في جامعة اللويزة ونائب رئيس الجامعة للشؤون الثقافية سهيل مطر قدم البروفسور سالم، قائلا: “هو مَن ارتفع اسمه علماً لبنانياً في أنحاء العالم، مَن شارك في مئات الندوات والمؤتمرات وحلقات البحث، مَن، على أبحاثه، أُعطيت جائزة نوبل للطبّ، مَن أعطى، ولا حساب، وأحبّ، ولا انتظار، مَن تنافس على بياض قلبه، بياضُ لحيته وبياض كفّه، مَن صدره ما عاد يتّسع لأوسمة، وكتفاه تنوءان بشهادات الدكتوراة، مَن كانت عائلته عائلة سالم، تنتسب إلى لبنان، كل لبنان، والى العالم كلّ العالم، وتحيّة إلى الزوجة الوفيّة وداد، مَن كان مؤمناً مستقيماً باحثاً عن مفاتيح الجنّة في خزائن المحبّة، لا يمكن التعريف عنه، ولا تقديمه، إلاّ باسمه: فيليب سالم”.
وفي ختام الحفل قلّد وزير التربية والتعليم العالي الدكتور حسان دياب البروفسور فيليب سالم بإسم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط أكبر تقديراً لعطاءاته.
كلام الصور
1- البروفسور فيليب سالم
2- البروفسور فيليب سالم يتسلم الوسام من وزير التربية الدكتور حسان دياب
3- من اليمين: الأستاذ سهيل مطر، البروفسور فيليب سالم، رئيس جامعة سيدة اللويزة الأب الدكتور وليد موسى، الدكتور أمين ألبرت الريحاني نائب رئيس الجامعة