بقلم: د. عبدالله بوحبيب
يواجه اللبنانيون مشكلة جديدة تتعلق بالصلاحيات التشريعية لمجلس النواب في غياب حكومة قائمة. إن استمرار هذه المشكلة يزيد من شلل الدولة التي تستمر في البقاء، بعناد أكثرية الشعب الصامتة، المرحّبة ضمناً بموقف للجيش اللبناني مشابه لما قام به الجيش المصري لنصرة شعبه الثائر. لكن هذا الترحيب يبقى تمنيات لأن الوضع القائم في لبنان من النواحي الطائفية والمذهبية والسياسية المحلية والإقليمية والدولية، لا يسمح بتحقيق آمال اللبنانيين وأمانيهم.
لكن الخلاف الأهم بين اللبنانيين يبقى حول سلاح «حزب الله»، حيث يؤيّد مناصرو الحزب الاستمرار بحمل السلاح خوفاً من عودة الجنوب ساحة لصراع فلسطيني ـ إسرائيلي. ولكن هناك من يعلّل ضمناً حمل السلاح كسبيل لتثبيت موقع سياسي يكرّس، على الأقل، للشيعة موقعهم في المعادلة اللبنانية: «المثالثة من ضمن المناصفة». بالمقابل، هناك لبنانيون يرفضون قطعاً تبرير «حزب الله» لحمل السلاح وذلك لأسباب سيادية إذ لا يعقل أن تكون السيادة إلا للدولة اللبنانية. وطبعاً هناك من يرفضه على أسس طائفية ومذهبية وسياسية.
وتبقى فئة لبنانية ثالثة تؤمن بالسيادة وتريدها للدولة اللبنانية على كل أراضي الوطن، لكنها تدرك عدم قدرة الجيش اللبناني حالياً على حماية الحدود وردع التعدي على السيادة. ولذلك تقبل بسلاح «حزب الله» على أساس مرحلي، وإلى أن يُجهز الجيش الوطني ويصبح قوة رادعة تدافع عن حدود الوطن وتفرض سيادة الدولة على كل أراضيه. بالإضافة إلى ذلك، تعتقد هذه الفئة أن تجريد «حزب الله» من سلاحه من دون وفاق وطني سيجر لبنان إلى حرب أهلية. لذلك فإن دعوة دول عربية وغربية الدولة اللبنانية لتجريد «حزب الله» من سلاحه تبدو وكأنها تحريض على حرب أهلية ونقل لمسؤولية الأخطاء الإقليمية لهذه الدول إلى لبنان مجدداً.
ولكن مع الدخول “الرسمي” لـ”حزب الله” في الحرب السورية، بدأت هذه الفئة تخاف من أن هذا القرار قد يجر لبنان إلى صراع إقليمي ترفضه الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، مع العلم، أن دخول «حزب الله» الحرب السورية لا يعني أبداً تبرئة من بدأ قبله بالتدخل في الحرب السورية بمدّ المعارضة السورية بالرجال والسلاح والمال.
وتبعاً لذلك، بدأ أصدقاء الحزب من خارج الطائفة الشيعية وداخلها يتساءلون، بنيّة طيبة، عن قضايا كثيرة تتعلق بتهميش «حزب الله» الشؤون الداخلية وإعطائه الأولوية المطلقة لخارج الحدود. إن تركيز «حزب الله» على القضايا الإقليمية على حساب الشؤون اللبنانية يقلق هذه الفئة، خاصة أنه أصبح كل شيء في لبنان معلقاً ومؤجلاً وممدداً. فالسلطة التنفيذية منذ أكثر من ثلاثة أشهر تنحصر مهامها في تصريف الأعمال وتشكيل حكومة جديدة يربطها الأفرقاء السياسيون ومنهم «حزب الله» بالحرب السورية. أما مجلس النواب، شبه المعطّل في دوراته العادية، مُدّد له 17 شهراً من دون تبرير مقنع وبدعم من «حزب الله»، بادعاء غير دستوري على أن «مجلس النواب سيد نفسه». كما قضي على المجلس الدستوري نتيجة لضغوط مذهبية، أيضاً «حزب الله» غير بعيد عنها، منعت اجتماعه للبت في الطعن بشرعية تمديد الوكالة الشعبية للنواب.
كذلك، فإن الأجهزة العسكرية والأمنية تُفرَّغ من قياداتها من دون اتفاق على بدلاء مما يضعف هذه الأجهزة التي تفقد تدريجياً هيبتها وإمكانيتها على الحسم. وأخيراً، وليس آخراً، بدأ الكلام عن فراغ رئاسي في حال استمرار مواقف الأفرقاء التي تعطي الأولوية للقضايا الإقليمية وخاصة الحرب السورية وتأجيل إيجاد حلول للقضايا اللبنانية العالقة.
إن الأصدقاء هؤلاء لا يلومون ولا يتهمون ولا يضعون مسؤولية فراغ المؤسسات والانهيار التدريجي للدولة على الحزب وحده، إنما يأخذون عليه انصرافه الكلي وتركيزه الواضح على القضايا الإقليمية، داعماً تأجيل الاستحقاقات الدستورية والقانونية والإدارية والديبلوماسية من دون اهتمام بالنتائج.
لربما يحتاج «حزب الله» إلى التعمّق في القول المأثور بأن «كل السياسات مَنشَؤُها محلي». بكلام آخر، لا يمكن لـ«حزب الله» أن يستمر في التجاهل الكامل للشؤون اللبنانية والتركيز الكلي على القضايا الإقليمية ويبقى له تأييد أبناء طائفته الواسع وأصدقائه غير الشيعة. على الحزب أن يدرس تجارب منظمات مماثلة على الأرض اللبنانية وحول العالم، وخاصة تجربة المقاومة الفلسطينية في الأردن ولبنان وثورة ماوتسي تونغ الثقافية في الصين التي ظن البعض آنذاك أنها أزلية. إن التجديد والتغيير الجديين هما ضرورة ماسة لبقاء أي مؤسسة واستمرارها، حتى لا تصبح هذه المؤسسة «ضحية نجاحها».
(*)السفير، الخميس 11 تموز 2013