الكاتب بلال حسن التل
نواصل استعراضنا لبعض جوانب رعاية الدولة الاردنية وحمايتها لجماعة الاخوان المسلمين، وسنستعرض في هذا المقال جانبا آخر من جوانب هذا الدعم، وهو الاستعراض الذي يجعلنا نزداد عجبا كلما كشفنا المزيد من جوانبه..
ويجعل السؤال يكبر في أذهاننا عن سر انقلاب نظرة حدثاء الجماعة للدولة، وتحولها من الاعتراف بالفضل الذي هو خُلق إسلامي، رأينا بعض صوره في كلمات قيادات الجماعة من اصحاب السبق في الدعوة اثناء الحفل الذي اقامته الجماعة على شرف جلالة الملك، والذي اشرنا اليه في مقال سابق، وانقلاب هذه النظرة الى نكران للجميل، خلافا للخُلق الاسلامي الذي حث عليه القرآن الكريم كقوله تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)الرحمن:60، وسيزيد استغرابنا اكثر من هذا الانقلاب عندما نتعرف على بعض جوانب الدعم المالي الذي قدمته الدولة الاردنية للجماعة بصور مختلفة.
من المعلوم أن المال مصدر لقوة الافراد والجماعات، ومن اسباب تأثيرها في محيطها كما هي الحال مع جماعة الاخوان المسلمين، الذين صار العمل الاجتماعي من اهم مصادر حضورهم، خاصه الانتخابي، ومن المعلوم ان العمل الاجتماعي يحتاج الى مال لإدامته، وقد سهلت الدولة الاردنية للجماعة سبل الحصول على هذا المال، من ذلك: ان جلالة الملك تبرع شخصيا لبعض مشروعات الجماعة وأذرعها المختلفة، ومنها منح الدولة للجماعة بعض قطع الاراضي لإقامة منشآتها عليها، ومنها تسهيل مهمة الجماعة في جمع التبرعات لدعم انشطتها المختلفة، ولدعم أذرعها المختلفة داخل وخارج الاردن، وعند جمع التبرعات نحب ان نتوقف لنقول: إن القوانين النافذة في الاردن تنظم جمع التبرعات وطريقة إنفاقها، بما في ذلك التبرعات التي تتم لبناء المساجد، كما تلزم القوانين كل جهة تجمع تبرعات ان يتم ذلك بموجب سندات قبض رسمية تكون خاضعه للرقابة والتفتيش من الجهات الرسمية، وهو الأمر الذي لم تطبقه الدولة على الاخوان المسلمين، وهم يجمعون ملايين الدنانير، تاره بذريعة دعم غزة، واخرى بذريعة بناء مستشفيات، وغير ذلك من مبررات جمع التبرعات، فأين ذهبت كل هذه الاموال.؟ ولمن ذهبت.؟ وكيف صرفت.؟ واين قيودها وسجلاتها.؟ وهل صارحت الجماعة كل من تبرع لها لدعم قضية فلسطين على سبيل المثال بانها تقتطع جزءًا من هذا التبرع لتمويل نشاطاتها الاخرى.؟ وهو سؤال ينسحب على كل التبرعات الاخرى التي قدمت للجماعة؟
إن الإجابة عن هذه الاسئلة حق مشروع لكل اردني، لأن الجزء الاكبر من التبرعات التي جمعتها الجماعة، سواء لدعم فلسطين، أو لغيرها من الأنشطة هي من اموال الشعب الاردني الذي من حقه ان يعرف كيف صرفت هذه الاموال، ومن واجب المخلصين من ابناء الجماعة ان يحموا سمعة الجماعة من خلال تطبيق احكام الشفافية على حركة المال عند الجماعة، خاصة وقد تواترت الروايات عن استخدام المال استخداما سياسيا داخل الجماعة، للتأثير على عمليات انتخابات مجالسها وهيئاتها المختلفة، وعن ظهور الثراء الواضح عند بعض صغار الموظفين من المحسوبين على احد اجنحة الجماعة، الذين لا يتناسب حجم إنفاقهم مع مستوى رواتبهم.!
وعن الإنفاق على سفريات بعض المحسوبين على هذا الجناح، وقبلها الروايات التي تتحدث عن رواتب المستشارين الشرعيين لبعض أذرع الجماعة، وهي الرواتب التي تقاضاها بعض رموز هذا الجناح ايضا، هذا بالاضافة الى ريع كتب بعض رموز هذا الجناح التي تفرض كجزء من البرنامج التثقيفي لأعضاء الجماعة، وهو الريع الذي يذهب لهؤلاء الرموز، مع ان الأصل في الجماعة هو دفع مكافآت لمن يضع كتبًا لتثقيف الاخوان، لتتولى الجماعة بيعها لدعم دخلها، مما يُدخل عمل هؤلاء الرموز في شبهة مخالفة لللائحة الداخلية العامة للاخوان المسلمين التي أقرها مكتب الارشاد، التي نصت المادة 61 منها على (يطبع مكتب الارشاد على نفقته ما يراه صالحا من الرسائل والكتب بعد الاتفاق ماليا مع مقدميها، ويتولى المكتب الاشراف على نشرها وبيعها).
إن كل هذه الروايات عن حركة المال داخل الجماعة تفرض على المخلصين من ابنائها ضرورة التمسك بكل معايير الشفافية على حركة المال داخل الجماعة، وعند حركة المال نحب ان نتوقف لنسأل: هل يعقل ان جماعة بحجم وعمر جماعة الاخوان المسلمين في الاردن لا تمتلك حسابا بنكيا صريحا باسمها.؟ وهل يعقل ان جماعة بحجم الاخوان المسلمين لم تقدم طيلة هذه السنوات تقريرا ماليا واداريا للجهات المختصة تطبيقا للقوانين والانظمة النافذة.؟ بل ان تقريرا تفصيليا عن حركة المال والتمويل لا يقدم لهيئات الجماعة، فلمصلحة من تتم هذه السرية على حركة المال.؟ وهل هي للتستر على بعض المصاريف السرية للنشاطات غير المعلنة لبعض اجنحة الجماعة.؟
ولا نريد ان نسأل عن مصدر تمويل الانفاق العالي على بعض اذرع الجماعة، مع علمنا الاكيد بان اشتراكات اعضاء الجماعة ومنها حوالي سبعين الف دينار قيمة الاشتراكات السنوية للاخوان الموجودين في دول مجلس التعاون الخليجي، وهي اكثر بكثير من اشتراكات اخوان الداخل، وكلها لا يمكن ان تغطي جزءاً يسيراً من مصاريف هذه الأذرع. لذلك نقول: إنه دفعا لكل شبهة قد تلحق بالجماعة، فانه لابد من تطبيق معايير الشفافية على حركة المال في الجماعة، حتى وان غضّت الدولة بصرها عن هذه الحركة من باب دعمها للجماعة، ورعايتها لها واحترام اجهزة الدولة ورجالها لرموز الجماعة وحركتهم عبر الحدود، علما بان بعض هؤلاء الرموز استغلوا هذا الاحترام لنقل المال عبر الحدود، حتى ان احدهم نقل ذات مرة في كيس اسود عبر الحدود، ذهابا وايابا مئات الاف الدنانير التي لم توضع بعد اعادتها الى الاردن في تصرف الجماعة، بل ظلت تحت تصرف ذلك الرمز دون حسيب او رقيب.. ثم يزعم بعض حدثاء الاخوان ان الدولة تضيق الخناق على الجماعة؟
*****
(*) رئيس “مركز البيرق للدراسات والمعلومات” ومؤسس “جماعة عمان لحوارات المستقبل” وناشر وصاحب جريدة “اللواء” الأردنية.