الإعلامية جازية بايو (*)
المتتبّع للأحداث الدولية في شتّى أنحاء العالم يقشعرّ جسده ويضيق صدره من الأخبار السيّئة التي تُنبئ بكارثة الوضع الإنساني، نظراً لكثرة أوجه الاضطهاد والمعاناة التي تطال المستضعفين في الأرض.
هؤلاء الذين سقطوا ضحايا الوضع المرير الذي فرضته بعض الأقليات المتسلّطة التي لم تراعِ أدنى حقّ من حقوق الإنسان لبلوغ مصالحها الشخصية، فسعت فساداً في الأرض منتهكةً بذلك كلّ المواثيق الدولية التي تنادي بضرورة احترام حقوق الإنسان حتّى لا تظلّ هذه المواثيق مجرّد حبر على ورق.
احتفاءً بذكرى ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وأهمية الحقّ في معرفة الحقيقة وإقامة العدالة الإنسانية، أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 كانون الأول/ ديسمبر 2010، يوم 24 آذار/ مارس يوماً دولياً للحقّ في معرفة الحقيقة في ما يتعلّق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ولاحترام كرامة الضحايا.
وإلى جانب التنديد بكلّ الانتهاكات الإنسانية، يهدف هذا اليوم الدولي إلى الإشادة بكلّ أولئك الذين كرّسوا حياتهم لتعزيز حقوق الإنسان و حمايتها، وسعوا إلى كشف كلّ أنواع الانتهاكات والاضطهادات التي يعاني منها العديد من الأشخاص في العالم. من بين هؤلاء المناضلين، القسيس أوسكار أرنولفو روميرو من السلفادور الذي شارك بهمّة في تعزيز حقوق الإنسان و حمايتها في بلده. لأجل ذلك حظي عمله باعتراف دولي لما كتبه من رسائل استنكر فيها الانتهاكات الخطيرة التي يتعرّض لها المستضعفون من سكان السلفادور.
وكأن الاحتفاء بهذا اليوم الدولي يكفي لوحده لإيقاف نزيف الانتهاكات الإنسانية في العالم. إذ دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة جميع الدول الأعضاء وكيانات المجتمع المدني والأفراد إلى ضرورة الاحتفال بهذا اليوم الدولي ”بطريقة مناسبة“.
يا ترى، ما هذه ”الطريقة المناسبة“ التي تقصدها الجمعية العامة؟ هل هو النداء إلى رفع المزيد من الشعارات المندِّدة بالانتهاكات الإنسانية وهذا بالطبع لن يسترجع كرامة المضطهدين وحقوقهم في العالم، أو أنه مجرّد يوم يُكرَّم فيه مناضلو حقوق الإنسان؟ لكن ماذا بعد التكريم؟ وهل سيخدم هذا الفعل القضية التي كُرِّم من أجلها هذا المناضل أو ذاك؟ أو ليس من الأجدى لو كان هذا اليوم الدولي الذي تدعو الجمعية العامة للاحتفال به فرصة لتحرير رهائن الاضطهاد والانتهاكات الإنسانية في العالم؟
قرارات دولية .. ولكن..
في بيانها الصادر عن الجلسة العامة الأممية في دورتها الخامسة والستين المنعقدة في 21 ديسمبر 2010 تلك، جاء أنّ القرار بجعل يوم 24 مارس يوماً دولياً لحقوق الإنسان تمخض عن كلّ المواثيق الدولية المناهضة لمختلف أساليب الانتهاكات الإنسانية، كميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاصّ بالحقوق المدنية والسياسي..إلخ. إلّا أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تعدّدت والمعاناة البشرية بقيت هي نفسها بل زاد تفاقمها في شتّى أنحاء العالم.
فهل إن استحداث مثل هذا القرار الأممي جاء تكملةً لكلّ المواثيق الدولية لحقوق الإنسان أو إنه اعتراف بعقم هذه المواثيق وعدم فاعليتها؟ وفي ما يخصّ الحقّ في معرفة الحقيقة الذي يتميّز به هذا اليوم الدولي فإن الجمعية العامة تُقرّ بأنه مأخوذ من قرارات سابقة عدّة، منها قرار لجنة حقوق الإنسان 2005/66، المؤرَّخ في 20 نيسان / إبريل 2005 ومقرّر مجلس حقوق الإنسان 2/105، المؤرَّخ في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006، فضلاً عن القرارين 9/11 و12/12 المؤرَّخين على التوالي في 24 أيلول / سبتمبر 2007 وفي أوّل تشرين الأول / أكتوبر 2009، والمتعلّقين بالحق في معرفة الحقيقة.
لعلّ الشيء الجديد الذي يختصّ به هذا اليوم الدولي للحقّ في معرفة الحقيقة هو الترويج لذكرى ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والإشادة بأولئك الذين كرّسوا حياتهم خدمةً للقضايا العادلة وقدّموا أرواحهم دفاعاً عن الإنسانية من كلّ أشكال العنف والانتهاكات، ومن بينهم القسّيس روميرو من السلفادور الذي كرّس كلّ حياته في خدمة حقوق المستضعفين من الطبقة الكادحة في السلفادور إلى أن وافته المنيّة في 24 آذار/ مارس 1980. وتخليداً لذكراه ولأعماله الإنسانية الجليلة، جعلت الجمعية العامة من هذا اليوم مناسبة عالميّة. إلّا أن التقارير السنوية لحقوق الإنسان الصادرة عن منظّمات دولية تُنبئ بوضع إنساني أقلّ ما يمكن أن يقال عنه إنه قاتم.
2014: حصيلة كارثيّة لحقوق الإنسان في العالم
في تقريرها السنوي عن وضع حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، أقرّت ”منظّمة العفو الدولية“ أنّ سنة 2014 كانت كارثيّة بالنسبة إلى ملايين البشر، وفي هذا السياق قال سليل شيتي أمين عام المنظّمة: ”كان العام 2014 عاماً كارثيا بالنسبة إلى الملايين الذين وقعوا في حبال العنف. وكان ردّ فعل المجتمع الدولي على النزاعات وعلى الانتهاكات التي ارتكبتها الدول والجماعات المسلّحة مشيناً وغير فعّال. و بينما كان هناك مَن يعانون من تصاعد الهجمات الهمجية ومن القمع كان المجتمع الدولي غائباً تماماً“.
لذا دعت ”منظّمة العفو الدولية“ في تقريرها هذا، مختلف الحكومات ”للكفّ عن الادّعاء بأن حماية المدنيين أمر فوق طاقتها“. وقدّم التقرير توقّعات بتعرّض المزيد من المدنيين لخطر الانتهاكات على أيدي الجماعات المسلّحة واستمرار الاعتداءات على حرّية التعبير وتدهور الأزمات الإنسانية وأزمات اللاجئين ما لم يَحدث تغيّرٌ جوهري في موقف المجتمع الدولي.
وفي هذا السياق، قال سليل شيتي أيضاً: ”من شأن إبطال حقّ النقض للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي أن يمنح الأمم المتحدة مجالاً أوسع لاتخاذ إجراءات من أجل حماية المدنيّين عندما تتعرّض أرواحهم للخطر ولتوجيه رسالة قويّة لمرتكبي الانتهاكات مفادها أن العالم لن يقف مكتوف الأيدي بينما تُرتكَب فظائع على نطاق واسع“.
فهل تتخلّى الدول الخمس عن حقّها في الفيتو الذي يُخوّلها فرصة صُنع القرار، حتّى لو انهار العالم أجمع وانتُهكت أقصى الحقوق الإنسانية؟ لا نظنّ ذلك. فالاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين خلال العام 2014 كانت فاقعة. بدءاً من مجزرة غزّة التي أدّت إلى استشهاد 2174 شخصاً وجرح 10870 فلسطينياً منهم 3303 طفل و2101 امرأة، مروراً بانتهاك قداسة المسجد الأقصى في 30/10/2014 ، ووصولاً إلى إغلاق معبر رفح على الغزّاويّين، تبقى قائمة الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيّين طويلة في العام 2014، وأبرزها قتل وزير فلسطيني أمام كاميرات العالم وهو يزرع شجرة زيتون في الأرض الفلسطينية.
أمّا في سوريا، وبحسب تقرير نشرته المحافظة السامية الأممية لحقوق الإنسان حول الوضع الإنساني في سوريا، صرّح نافي بيلاي المحافظ السامي الأممي لحقوق الإنسان أنه ما بين مارس 2011 إلى غاية نهاية شهر إبريل2014 قُتل حوالى 191369 سورياً. وفي آخر تقرير له مؤرَّخ في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2014، أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان63074 قتيلاً مدنياً، من بينهم 10377 طفلاً. وبحسب المرصد أيضاً، فإن حصيلة الحرب في سوريا تجاوزت 200 ألف قتيل خلال أربعة أعوام. وأكّد رامي عبد الرحمان مدير المرصد أنّ ”الحصيلة أعلى بكثير من الـ 200 ألف الذين تمّ إحصاؤهم لأنه من المتعذّر العمل في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو جهاديّي تنظيم داعش“. وتابع أنه ”يجب إضافة 300 ألف شخص قيد الاعتقال، بينهم 20 ألفاً يُعتبرون في عداد المفقودين“.
توقعات الوضع الإنساني في العالم لا تُنبئ بالخير
التقرير السنوي لـ”منظّمة العفو الدولية“ قدّم نظرة شاملة لوضع حقوق الإنسان في 160 بلداً خلال العام 2014. وتوقّع التقرير أن يزداد عدد المدنيّين المجبرين على العيش في ظلّ سيطرة تفرضها جماعات مسلّحة وحشية ما يجعلهم عرضة للعنف والاضطهاد. فالنزاعات والحروب المتواصلة ستؤدّي إلى تفاقم الوضع الإنساني بشكل رهيب، حيث سيزداد عدد اللاجئين بينما تواصل بعض الحكومات إغلاق حدودها في وجه النازحين. وبهذا الشأن قالت أنّا نيستات مديرة البحوث في ”منظّمة العفو الدولية“: ”بمقدور قادة العالم تخفيف المعاناة عن الملايين، عن طريق توفير الإرادة السياسية والموارد المالية لمساعدة أولئك الذين يفرِّون من المخاطر وحمايتهم، وتقديم المساعدات الإنسانية بسخاء، وإعادة توطين الأشخاص الأكثر عرضةً للخطر. ويجب على قادة العالم أن يبادروا بإجراء تغيير جذري في طريقة تعاملهم مع الأزمات في شتّى أنحاء العالم“.
كلام جميل ومنطقي ليته يجد صدىً إيجابياً عند أولئك الذين يتحكّمون بمقاليد صنع القرارات الدولية في العالم. فلو حرص هؤلاء على الحفاظ على كرامة الإنسان وحقوقه مهما كانت انتماءاته الدينية والسياسية والبيئيّة، لما ظلّت المواثيق الدولية لحقوق الإنسان مجرّد نصوص عقيمة لا جدوى منها إلّا الوقوف وقفة المتفرّج عند مأساة إنسانية لا مغيث لها.
*****
(*) باحثة أكاديمية – جامعة الجزائر.
(*) نشرة افق.