الأديب إيلي مارون خليل
إحلم! ينفتِح ذِهنُكَ والقلبُ والخَيال!
تعيش وضعًا لا يُعجِبُك؟ يُثير غضبَك؟ يحزّ في أعصابك؟ ينخز كِيانَك الوِجدانيَّ كلَّه؟
لمِثْل هذه الحالات كان الحلمُ!
فاحلم، تنسَ! يفيدُك النِّسيانُ، يا صديقي! فهو يمسحُ الذّاكرة وما علق فيها وعليها من غبار الأيّام الصّعبة. تُمْسَحُ الذّاكرة!؟ تتجدّد خلايا ذهنِك، قلبِك، خيالِك… تتجدّد خلاياك!؟ تتجدّد. كلّيًّأ، تتجدّد. يتجدّد ميلادُك! وإن تجدّد ميلادُك، تجدّدت حياتُك بفرح، بأملٍ، برجاء. واستمرّيت شابَّ الذّهن القلب الإرادة الحلم!..
إحلم، تُمسَح ذاكرتُك فتنسى ما يُدميك. إن تنسَ ما يُدميك، يسرح بك الخيال، ينظف ذِهنُك. نظف ذِهنُك؟ فأنت حُرٌّ وسعيد! ألذّهنُ النّظيفُ يصقل الرّوحَ فتحلِّقُ؛ ما يجعلك حرًّا في قلب الحرّيّة، في قلب فرح الحرّيّة. وتعرف، أنت، أنّ الحرّيّة وردةُ المسؤوليّة الواعية.
علاجُ الواقعِ المُزري؟ تَجاوُزُه! كيف يتمّ لك ذلك؟ لا بأعجوبة من عَلُ. “ألعالي” لا يتدخّل! هو يُعلّم الحرّيّة، وقد أسْلَفَنا الإدراكَ والنّضج والوعي والحرّيّة لاختيار ما نشاء! الباقي؟ أنتَ صانعُه!
ومن أصعب ما يكون الاختيار في مسألة الحبّ! من يختار لك: عقلُك أوِ القلب!؟ وفي الحالتَين، لماذا!؟ على أيِّ أساسٍ يكون اختيارُك؟ ميّزات الحبيب الخُلقيّة أم الخَلقيّة؟ وعي الحبيب، وتاليًا حسِّه بالمسؤوليّة، أم مركزه؟ صيته أم ماله؟.. أم أنت تتأرجح كثيرًا، من ثمّ تختار لأنّ عليك ذلك، لا لقناعة بعينِها، أو لصفة تميِّزُه؟
أمّا وقد اخترت، وأنت تعرف أنّ في أيّ اختيارٍ تضحية، فبمَ تضحّي، أو بمَ تستطيع التّضحية، بخَيار العقل أم القلب؟ وفي هذي الحال، أيًضا، لمَ اخترتَ ما قد اخترت!؟
إفترضِ، الآن، أنّك اخترت بملء الرّغبة والوعي والحُرّيّة، أتندم يومًا لسبب ما، عِلْمًا أنّ النّدم لا يُفيدُ، إنّما يزيد القَهر والألم! فلنفرض، كذلك، أنّ الحبيبَ اختار التَّخَّفّي ذات يومٍ، لسببٍ مهمّ لم يُصرِّحْ به، فماذا كنتَ أنت لتفعل؟
تكتب له، وعنه، وإليه، وهو يذوبُ في الصّمت، يستغرقُ فيه، ألا يؤلمُك صمتُه هذا كأنّه غرز الشّوك القاسي في قلبِكَ والأعصاب؟ ألا يُشعِرُك صمتُه هذا بيَبَس أيّامِك، وأحلامِك، وقلبِك، والوِجدان؟
حينئذ، ألا تشعر، يا رَعاك الله، بأنّه ٌقد أفناكَ، وذهبَ بعمرِكَ كالعشبِ اليابس، كغبارٍ خفيفٍ يحملُه الهواء، يَذروه في كلِّ اتّجاه!؟ فتتذكّر قول السِّفْر: “باطلُ الأباطيلِ… كلُّ شيءٍ باطلٌ تحت الشّمس، وقَبْضُ الريحِ… إنّ يوم أمسِ العابرَ كألف سنةٍ في عينيك، يا ربُّ!”
إحلم، يا رجل! فما الأحلامُ إلّا لمثْل هذي الأحوال! إحلم أنّ الحبيب لم ينسك، ولن! إنّما هو كثيرُ الانشغال! ويفكّر فيك، لكنّه أعجز من أن يُكرّسَ لك حفنةَ ثَوانٍ كلَّ يوم! ويُحبُّك، لكنّه لا يرى أنّك منشغِلُ البالِ عليه، ومنشغِلُ القلب! فلا تسأل، أنت: لمَ يُهمِلُك حبيبُك، لا تُعاتِبُه! أعذرْهُ!
لذلك، فبَدَلَ أن تتجرّع سُمّ إهمالِه لك، وعدمِ مبالاتِه، لا تشكّ في حبّه “حتّى يَقضيَ اللهُ أمرًا كان مفعولًا! بل احلم بأنّه لا يزال يُحِبُّك كما عند الاشتعالةِ الأولى!
إحلم! إذا رغبت في أن تكونَ خَليًّا مطمئنًّا!
إحلم!
(ألثُّلاثاء 14- 1- 2014)