الأديب إيلي مارون خليل
إحلم، يا رجل، بالنّجاة، تنجُ!
ممَّ تنجو!؟
تعال نراقب أحوال الأسرة!
وما هي الأسرة!؟ أوَيُطرَح مثلُ هذا السّؤال!؟
ولم لا؟ فالأسئلة ابنة الرّغبة في المعرفة. ابنة الشّكّ. ألجاهل لا يطرح أسئلة، والغبيُّ أيضًا. يظنّ الواحد منهما، أنّه قابضٌ على المعرفة الحقيقيّة المطلَقة التّامّة! في حين أنّ هذه المعرفةَ عصيّةٌ على الجميع، جميع البشر، أزلًا أبدًا.
إذًا، فما الأسرة!؟
إنّها الـ”خَليّةُ” الصّغيرةُ الّتي تنمو، حبًّا، نعمةً، انسِجامًا، أُلفةً، وحدةً… فلا تتفكّك، ولا تتحاسد، ولا تتحاقد، ولا يُفَرّطُ واحدُها بالآخر… تنظر إلى الغد، طموحًا إلى خير أفرادِها كلِّهِم، في الوقت عينِه، معًا، إلى الأبد!
إنّها الـ”نّعمةُ” الثّريّةُ المُثريةُ، توهَب لاثنين، أنثى وذكر، بوساطة الحُبّ، فيُثمِران أطفالًا يُنشِئونهم، بالحُبّ، على القِيَم والمعرفة والجَمال، فيتكاتفون لمصلحة الجماعة، وإذ ينجح واحدٌ، ينجح الجميع، ويشعر، كلٌّ منهم، بالفخر والسّعادة!
إنّها، وبإيجاز من دون غموض، جَماعةٌ صغيرةٌ متّحِدة، تحلم معًا، تعمل معًا، يُنصتُ واحدُها للآخرين، يتحاورون، يتناقشون، تتباين آراؤهم ولا يقعون في الخِلاف، من ثمّ تُثمِر حواراتُهم والمُناقشات توحيدَ وجهة النّظر، الّتي كلٌّ في سبيلها عاملٌ بقناعة وجدّيّة. ومن أبرز ما يميّز العائلة، إلى المحبّة، ألتّضحية التّسامح الخدمة الثّقة التّعاون…إلخ.
فأين نحن منها، هذه الأيّام!؟ هل بقيت تلك الـ”خليّة”، الـ”نّعمةَ”، الـ”جَماعةَ” المُوَحَّدة الرّائدة في مُحيطِها والجِوار؟ هل هي لا تزالُ الحُبّ النّعمة الانسجام الألفة؟… أهي لا تزالُ تُنشئُ على القِيَم الخَيرِ الجَمال!؟. ألا تزالُ الجماعة الصّغيرة المتّحدة الحالمة معًا، العاملة معًا، المُنصِت واحدُها للآخر!؟
نظرة سريعة واقعيّة وموضوعيّة إلى العائلات، تُرينا أكثرها مُخترَقًا. تكنولوجيا العصر، نفذت إليها، نخرتْها، مزّقتها. فكلٌّ إلى خلويِّه “يوَتْسِـﭖُ”، أو يقرأ، أو يلعبُ، أو…إلخ. فما يحادث بعضهم البعض، لا ينظر واحدُهم إلى الآخر… علمًا أنّهم “مجتمعون” أمام جهاز التّلفزة يقرع الآذان بأعلى ما يمكن، فيعمّ الضّجيج، وتنتشر الفوضى، فلا يتعارفون، ولا يتثاقفون، ولا … كلٌّ عالَمٌ غريبٌ، بعيدٌ، غيرُ سعيد!
إلى ذلك، فالـ “سّياسةُ”، هي الأخرى، فرّقت أعضاءَ العائلة، فتنازعوا، وتباعدوا، وانشقّت وحدتُهم فتناكفوا، وتعادَوا… كما أضرّت بهم المَصالحُ المادّيّةُ والشّخصيّةُ، فتناهَشوا، وتَناتَشوا، فحوّلوا البيت من مسكنٍ إلى غاب!
… إحلم، يا رجل! إحلم، يا صديقي!
إحلم بأنّ الحُبَّ قد عاد، فعادتِ الوحدةُ إلى العائلة، وعادت العائلةُ تنمو بالنّعمةِ والقِيَم، بالمعرفة والانفتاح، بالتّسامح والغفران… وإذا أصبحتْ كلُّ عائلةٍ كاملة المِثال، نُبذت المادّةَ، وعيفت المَنافعُ الذّاتيّة، وتنكّرَ الجميعُ للزّعماء، وعادت روابط الحُبِّ تجمع وتوحِّد… إحلم!..
إحلم بهذا، تتحقّق سعادتُك! ألستَ، أنت، لهذا تحيا!؟
إذًا، فاحلم!
ألثّلاثاء 7/ 9/ 2014