الأديب إيلي مارون خليل
إحلم، وانسَ، وسامح! تَعِشْ حُرًّا، مُسالِمًا، مُطمئنًّا!
سامح، وانسَ، واحلم! تحيَ صافيًا، مُحَلِّقًا، زاهدًا!
وفي الحالتَين، أنت مغمورٌ بالنِّعمة!
إنّ كلًّا من القِيَم الّتي تعيشُ وتحيا، هي نِعمةٌ. نِعمةٌ قيّمةٌ نبيلةٌ، تنطوي على الأصالةِ والاحترام والتّواضُع الشّامِخ.
فالحرّيّة نعمةٌ توهَب للإنسانِ الصّادقِ، النّاضج، فيعرف معناها، ويعرف كيف يعيشُها، وكيف يجب أن يعيشَها الآخرون، فلا يهمّش بعضهم البعض، فيتساوون. بهذه الحُرّيّة تعرف ذاتك، بقدراتها كلِّها، والحدود بينك وبين الآخر، فتحيا سعيدًا داخل عالمِك، ولا أسوار، إنّما بأجنحة وأحلام، فتزدهر بحرّيّتك، وتنتشي، فتبلغ المُشتَهى الأسمى.
والمُسالَمةُ، نِعمةٌ، هي الأخرى، تنبُع منك، تهلّ عليك، تحميك من حسد، حقد، غضب، شهوةٍ، طمعٍ، كبرياء، غُرورٍ…فتنظف وتصفو وتشفّ وتُحَلِّق، تشعر بأنّك اخترقتَ النّور، وَلَجْتَ الأسرارَ، استرحْتَ، فاذا بك حُرٌّ أليفُ السّعادةِ، وافرُ النِّعَمِ.
والطّمأنينةُ انبِثاقُ السّلام منك، وانسِكابٌ له عليك، فيه تَطفو، به تتعطّر، فتشعر بأنّك اتّحدْتَ بالكائناتِ جميعًا، طبيعيّةً وبشريّة. تستكين نفسُكَ، ترتاحُ، تهدأ… تفيض فيك، منك، عليك، علاماتُ استقرارِ روحٍ وهناءتِها وهدوئها العميق المُنعِش.
يبقى التَّدَرُّجُ الآخر: سامِح، وانسَ، واحلم! تحيَ صافيًا، مُحَلِّقًا، زاهدًا.
ألصّفاءُ آيةُ النّقاء! ميزةٌ تُكتسَبُ بالمِراس. لا يتحصّل مِراسٌ من دون تصميمٍ حازمٍ، ورغبةٍ لا محدودة. بهما: ألتّصميمُ والرّغبةُ، ينجح المرءُ في التَّخَطّي. وهذا لا يكون إلّا للذّات والواقع، معًا. بذا تبدأ سيرورتُك الارتقائيّة، وصيرورتُك السّامية. تُحقِّقُ واحدًا من أحلامك.
والنّسيانُ الإراديّ منحةٌ كبرى تستحقُّها النّفسُ المُعانية. ألنّفسُ المُعانيةُ تتألّم، وتعرف ما المعاناةُ، وما حدودُها، والأهمّيّة. وتاليًا معاناتُك تكاد تكون رغبتُك الواعيةُ وغيرُ الواعية، إلى كونها نتيجةَ واقعٍ مفروضٍ تَوَدُّ الخلاصَ منه، وبأسرع ما يُمكِن. حين تنسى، تُمحى، من الذّاكرة، مساوئُ كانت تُغرِقُك في أوحال ما لا تريد، إنّما ترغبُ، صادقًا، في تجاوُزِه.
والزُّهْدُ! ما علاقتُه بما سبق؟ إنّه يُتَوِّجُ الإنسانَ الحُرَّ، فيتخلّى عمّا فيه من ميولٍ إلى المادّةِ الكثيفةِ الحُجُبِ، الكثيرة المَزالِقِ. والزّهدُ، بعْدُ، قدرةٌ حرّةٌ تساعدُك على “التَّرْكِ”، “التَّخَلّي”، فلا يكون فيك، ومنك، إلّا ما يَليقُ بك. هو عاملٌ آخر يحميك من تفاهات، غباوات، ثرثرات… فتُشرِق حُرًّا مُسالِمًا زادًا نورانيًّا.
عَدَمُ االزُّهدِ؟ هو التّعَلُّقُ، التّشَبُّثُ، بكلِّ ما هو جاذبٌ مادّيّ. لا تجذبُ المادّة إلّا نحو ما هو منها: مادّةٌ بمادّة! ولا تجذبُ الرّوح إلّا نحو ما هو روحانيّ: روحٌ بروح! أليس من فضيلةٍ في منتصفِ الطّريق!؟
إحلم، يا رجل! تصوّر أنّك تحيا كما تحلم! ولْيكن حلمُك الفضيلة. ألفضيلةُ تُتيح لك الأمرَين. تحقّق لك رغباتِك، هذه وتلك، ولا إفراط. تَميل إلى اتّجاه؟ تَخرِبُ تَوازنَك! كن سويًّا. لكن سويًّا مثاليًّا! لمَ لا تحلم؟
إحلم!
(ألسّبت 4- 10- 2014)