د. عبدالله بوحبيب
قلما وصلت العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى هذا المستوى المتدني. الرئيس الأميركي يلوم ويوبّخ حتى الرئيس الإسرائيلي على ما قاله عشية الانتخابات في إسرائيل وثم في اليوم التالي، معتبراً أن نتنياهو وحده المسؤول عن الانعكاسات السلبية لمسيرة السلام مع الفلسطينيين.
اليوم يتقدم نتنياهو من الإسرائيليين، وخاصة من المواطنين العرب في الدولة العبرية، بالاعتذار مؤكداً أنه لم يعنِ ما قاله. كذلك عاد وأكد للمجتمع الدولي أنه لا يزال مع حل الدولتين.
هذا الخلاف ليس الأول بين البلدين أو بين الرئيسين. الأول كان مع إدارة الرئيس دوايت ايزنهاور الذي أجبر إسرائيل على الانسحاب من سيناء المصرية بعد الاعتداء الثلاثي (إسرائيل وبريطانيا وفرنسا) على مصر جمال عبد الناصر العام 1956. لكن تل ابيب تعلمت الكثير من تلك النكسة، وخلصت إلى أن المرجعية الدولية للشرق الأوسط أصبحت واشنطن. فنقلت اهتمامها من أوروبا إليها، ونجحت في تجنيد كل يهود أميركا وأصدقائهم في خدمتها، وأصبح لديها اللوبي الأقوى في واشنطن. لم تحتج إسرائيل وقتذاك إلى أن تعتذر عن اعتدائها على مصر.
الخلاف الثاني كان في عهد الرئيس الأميركي جيرالد فورد، ومع هنري كيسنجر بالذات الذي قاد المفاوضات بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا بعد حرب 1973. رفضت إسرائيل القبول باقتراح أميركي بالانسحاب إلى خط الهدنة الحالي، فرفض الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز السماح بتدفق البترول على الدول الغربية إلى حين الوصول إلى اتفاق تقبل به سوريا، فأعلن كيسنجر ـ وهو في طريق عودته إلى واشنطن ـ أن بلاده ستقوم بإعادة تقييم علاقاتها مع إسرائيل. فعمدت إسرائيل إلى إرسال وزير خارجيتها إلى واشنطن قبل ان يصل كيسنجر إليها.
الخلاف الثالث كان في عهد الرئيس جيمي كارتر الذي أعلن في أحد لقاءاته انه يؤيد إقامة «وطن» للفلسطينيين، من دون أن يحدّد ماهيته. قامت «قيامة» إسرائيل وحلفائها في واشنطن، فتراجع كارتر قليلا مشدداً على أنه لم يعن وطنا مستقلا.
الرئيس رونالد ريغن اختلف مع إسرائيل في أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، لكن الخلاف لم يستمر طويلا. أما جورج بوش الأب فلم يوافق على إعطاء إسرائيل ضماناً لقروض بعشرة مليارات دولار إلى حين موافقتها على الذهاب إلى مؤتمر مدريد للسلام. لكن الرئيس بوش دفع غاليا ثمن ذلك الخلاف الذي كلّفه عدم الحصول على ولاية ثانية في انتخابات 1992.
بيل كلينتون وجورج بوش الابن لم يختلفا مع إسرائيل. الرئيس كلينتون فضّل الديبلوماسية المرنة على المواجهة. أما بوش فأعطى إسرائيل طوال ولايتيه الضوء الأخضر في حربها على الرئيس ياسر عرفات العام 2002 وعلى «حزب الله» صيف 2006. لكن بوش كان صاحب اقتراح مشروع الدولتين واللجنة الرباعية لتحقيق ذلك.
الأمر مختلف اليوم. انعدام الكيمياء بين أوباما و «بيبي»، كما يناديه أنصاره، معدومة منذ الاجتماع الأول بينهما. لكن عدم وجود مطالبة ودعم عربي لمواقف الرئيس أوباما جعله يصرف النظر عنها بالرغم من دعمه محاولة وزير خارجيته جون كيري إجراء مفاوضات جديدة في بدء ولايته الثانية. بالأمس رفض مستشار الأمن القومي للرئيس اوباما اعتبار اعتذار «بيبي» وتوضيحه «كأنه لم يكن». وسرّب البيت الابيض أن واشنطن لن تعطل باستعمالها حق الفيتو اي قرار لمجلس الأمن يدين إسرائيل لإنشائها مستوطنات جديدة. كذلك تضيف المعلومات أن واشنطن لن تمانع في محكمة العدل الدولية النظر في سوء معاملة إسرائيل الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة منذ العام 1967، بالإضافة إلى ان الوقت حان للدولة العبرية لأن تنهي احتلالها الأراضي الفلسطينية.
إن الخلاف لا يقتصر على الرئيس أوباما و «بيبي» فلقد انتقل الخلاف أيضاً إلى صفوف اللوبي اليهودي. هناك الكثير من الناشطين في اللوبي الإسرائيلي والإعلام وقطاع الأعمال قد شجبوا زيارة «بيبي» إلى واشنطن قبل الانتخابات الإسرائيلية وما صرّح به بشأن الدولتين و»الإسرائيليين العرب».
كل ذلك ممتاز للسلطة الفلسطينية. لكنه لا يكفي، اذا ابتغينا نتائج ايجابية، من دون دعم عربي، خاصة من مصر ودول الخليج وبالأخص السعودية. حان الوقت لأن يزور القادة العرب، أصدقاء واشنطن، العاصمة الأميركية ويدعموا الرئيس اوباما الذي يحاول ان يفرض على إسرائيل بالعقاب ما فشل في تحقيقه بالرشوة هو وأسلافه.
الوضع الحالي بين تل ابيب وواشنطن يجب ان يشجع القادة العرب على دعم الرئيس اوباما في مساره لفرض السلام على إسرائيل، وان يتجنبوا لمرة واحدة فقط الكلام معه عن «الخطر الايراني».
*****
(*) السفير، الخميس 26 آذار 2015