الباحث خالد غزال
يكثر الرئيس الأميركي باراك أوباما من الحديث عن الصراع العربي الإسرائيلي وضرورة حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية.
أتت هذه الفورة من «الوعي» في أعقاب تحدي نتانياهو للرئيس الأميركي بإلقاء خطابه في الكونغرس. ينفي أوباما أن يكون الخلاف مع نتانياهو شخصياً، لكن سياق التصريحات الأميركية تظهر أن الرئيس يقود حملة «نكايات» على غرار صراعات أبناء القرى أو العشائر والقبائل.
يصعب تصديق كلام أوباما عن تأييده للدولة الفلسطينية بعد سبع سنوات من حكمه. فالوقائع التاريخية تظهر كم ابتلع هذا الرئيس من تصريحات ومواقف تجاه القضية الفلسطينية وإعطاء الفلسطينيين حقهم بالدولة المستقلة. منذ ارتقائه سدة الحكم، توجه إلى العالم العربي بخطاب يؤكد فيه على أن عهده سيشهد نهاية سعيدة للمأساة الفلسطينية. وكلنا نتذكر خطابه الشهير في جامعة القاهرة الذي نثر فيه وروداً وآمالاً زهرية بأن إدارته ستحقق حل الصراع العربي الإسرائيلي. احتفى العرب به كثيراً وصدقوا وعوده وانتظروا التنفيذ، فما الذي حصل؟
بعيداً عن التصريحات الكلامية الفارغة، مارست الإدارة الأميركية سياسة تجاه مطالب السلطة الفلسطينية في الأراضي المحتلة وفي الأمم المتحدة، سياسة بدت إسرائيلية أكثر من السياسة الإسرائيلية نفسها. في المشروعات التي كان العرب والفلسطينيون يقدمونها لتثبيت الشرعية الفلسطينية، كان الفيتو الأميركي دوماً بالمرصاد، بما كان يفشل أي مشروع عربي – فلسطيني. كما لم تتوان الإدارة الأميركية عن التهديد الدائم للسلطة الفلسطينية بفرض عقوبات مادية عليها إذا ما تجرأت وذهبت إلى المنظمات الدولية لتثبيت عضويتها فيها.
خلال عهد أوباما، تعرضت الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة إلى أكثر من عدوان مدمّر، فلم نسمع استنكاراً أميركياً للمجازر التي كانت إسرائيل ترتكبها، بل كان اللوم ينصبّ دوماً على الفلسطينيين واتهامهم بالاعتداء على إسرائيل. هذه الأمثلة القليلة من كثير تعطي حجة للتعاطي مع تصريحات أوباما الأخيرة بكل السخرية التي تستحق.
إذا تجاوزنا سوء النية تجاه أقوال أوباما وتساءلنا عما إذا كان بمقدور أوباما الضغط حقاً في اتجاه إجبار إسرائيل على إعطاء الفلسطينيين دولة مستقلة في إطار حل الصراع، فإن الجواب لن يكون مستعصياً على استحالة أن يتمكن الرئيس من فرض مثل هذا التوجه، داخل المؤسسات الشرعية الأميركية أولاً، وتالياً في الضغط على إسرائيل. ينبع هذا التقدير من وقائع تاريخية تشهد عليها السياسة الأميركية منذ قيام دولة إسرائيل حتى اليوم.
ليس خافياً أن السياسة الأميركية الرسمية وبمؤسساتها السياسية والعسكرية، سواء أكانت تحت حكم الجمهوريين أم الديموقراطيين، اعتمدت ولا تزال سياسة ترى في دولة إسرائيل الحليف الاستراتيجي لأميركا، بل كان التعاطي معها كأنها ولاية من الولايات الأميركية. فإسرائيل تشكل أحد حماة المصالح الأميركية في المنطقة، وهي شرطي أميركي بامتياز، مما يعني أن أمن إسرائيل جزء لا يتجزأ من الأمن الأميركي. وهو ما يفسر ذلك الدعم المالي والعسكري والأمني لإسرائيل.
مقابل هذا التأييد المطلق لإسرائيل، اتسمت السياسة الأميركية بموجة عداء متواصل ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه بحدها الأدنى في دولة مستقلة على أراضي العام 1967. لم يشذ أوباما، بعد تصريحاته الابتهاجية في سنته الأولى، عن الانخراط في الركب الرسمي الأميركي الممتد منذ قيام دولة إسرائيل، والمتسم بالدعم المطلق للمشروع الصهيوني، والعداء المطلق للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
لا تنبع السياسة الأميركية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من رغبات ذاتية كما يحلو للرئيس تقديم نفسه، فهذه السياسة محكومة بجملة مصالح أميركية واسعة، اقتصادية وعسكرية وسياسية، تغلفها استراتيجياً، تتحدد بموجبها التوجهات الأميركية، ومن ضمنها موقع إسرائيل الأساسي داخل هذه الاستراتيجية. وإلاّ كيف نفسر أن وهجة تصريحات أوباما في سنته الأولى قد تبخرت، واختفى صوت أوباما المغرّد والداعي إلى حل النزاع، في وقت لم تكن سياسته المعارضة، للوصول إلى الحلول، مختلفة عن أسلافه السابقين. كما تظهر الوقائع كم أن إسرائيل تملك من مواقع القوى المؤثرة داخل الإدارة الأميركية، بما يجعل تمنيات الرئيس وعوداً فارغة لا تجد من يصرفها على الأرض.
بعد التأمل بخطابات أوباما المتزايدة هذه الأيام عن حل الدولتين، والضحك من هذا الحماس الذي دبّ في عروقه فجأة، لا يسع المرء إلا أن يقول: أوباما، لو تصمت.