في الحُبّ (2) ثقافة الحُبّ

الأديب إيلي مارون خليل

elieأعي أنّ الحُبَّ قدرةٌ خَلّاقة! قدرةٌ طَموح! قُدرةٌ نوهَبُها فتُشعِل، فينا، الثّقةَ والأمل، الرّجاءَ والحنين، فنحيا الآتي في الحاضر، والمِثالَ في الواقع، نؤكِّدُ الصّعب بالممكن… ونُثبِتُ الشّكَّ باليَقين!

وأعي أنّ الحُبَّ نِعمةٌ مُبدِعة. نعمةٌ كبرى! نعمةٌ نُمنَحُها فتُوهِّجُنا: قلبًا وعقلًا، نوايا وعزمًا، فنحيا الخيرَ الحقَّ الجَمالَ العدلَ السّلامَ الطّمأنينةَ السّكينة… كسكّان الفردوسِ الأَوَّلين، قبل أفعى التُّفّاحة، أو تفّاحةِ الأفعى!

أن تكونَ هذه القدرةُ الخَلّاقةُ نعمةً، يعني أوّلًا، وأساسًا، أنّك أهلٌ لها. فاختيارُك لمنحك هذه النّعمة، دليلٌ إلى أنّك تستحقُّها. كِلاكما، المانِحُ، أي هو أو هي، والمَمنوحُ، أي أنت، أهلٌ لها، قادر على احتمالِها، وعيشِها، والعملِ بها! ألمانحُ أحسنَ الاختيار، وأنت على استعدادٍ لاقتبالها. وتاليًا، فأنتما “مُختاران” لصفاتٍ قائمةٍ في شخصيّتكما. هذه الصّفاتُ تتكامل، على انسِجامٍ ينمو يوميًّا، تَصاعُديًّا، وعلى مدى غيرِ محدود. من علامات ذلك، تَفاهٌمٌ كُلّيٌّ، تامٌّ، مُطلَق. ومعًا تعِيان الأمرَ وتعملان، أبدًا، على تغذيته ودوامه حيًّا، فاعلًا. وبما أنّ الحُبّ قدرةٌ خَلّاقةٌ ونعمةٌ مبدِعة، فهو يجعلك تولد من جديد، إنسانًا جديدًا، رؤيةً ورؤيا، هدفًا وطموحًا، فإذا أنت حيٌّ، نابضٌ، سعيدٌ. سعادةُ الحُبِّ هي حبُّ السّعادةِ لكليكما وقد تحقّق! ليس هذا بسهل، لكنّها نعمةُ الحُبِّ المبدِعة، تلك الّتي لا حدود لقدرتها والأحلام! ولا تَراجُع لطموحها والعزم!

ألسّؤال: مَنِ اختارَك، ولماذا، وحتّامَ تبقى هذا المُختار!؟

اختارك مَن أحبّك ويُحِبُّك! كثيرون، همُ الّذين رأوا أنّك أهلٌ لنعمة الحُبِّ. أمُّك وأبوك، بدايةً. فأنت ثمرةُ حبّهما. ويأتي الآخرون من أهل وأصدقاء ورفاق وزملاء… وإن تميّزتَ في حقلٍ ما، (فنّيّ، علميّ، اِجتماعيّ، ثقافيّ، رياضيّ، اِقتصاديّ…) يختارك المعجَبون! إختيار الأهل، بخاصّة الأمّ والأب، طبيعيّ، عفويّ، أكاد أقول: غريزيّ، فلا فضل فيه. فليس من لماذا، هنا، ولا حتّامَ؟ أمّا بالنّسبة إلى الآخرين، فلكلّ سببُه. لصفةٍ حسنةٍ يرى أنّها تتجسّد فيك، كأنْ لولاك لَما كانت! إلى هذا الحدّ، نعم! فقد اختارك أحدُهم لأنّه رآك تجسيدًا للمِثال! لا يستعملُ المُحِبُّ المنطقَ العقلانيّ. يرى من خلال العاطفة، الإحساس، الرّغبة، والـ”حاجة”. ألـ”حاجة” إلى مِثال. لكنّه يختارك لأنّ فيك جاذبًا ما، خَلْقًا أو خُلقًا، وإلّا لم تلفتِ انتباهَه. فماذا يُمكنُ أن يجد فيك!؟

قد يجد فيك صفة أو أكثر. منها، مثلًا، ألصّدق والصّراحة، العطف والحنان، عذوبة القلب والرّحمة، ألمُسامَحة والغفران، ألمُساعَدة والفرح، ألذّكاء والتّواضع، ألخدمة المجّانيّة والبَذل، السّخاء وغِنى النّفس… إلخ.

تكون قد انتبهتَ! ألصّفاتُ هذه، جميعًا، معنويّةٌ لا مادّيّة. ألا تُختار لصفاتك المادّيّة، كالجَمال، جمالِ الوجه، مثلًا، أو العينَين، أو لطّلّة، أو جمالِ جسدِك والابتسامةِ المُشرِقة!؟ لا نستطيعُ نُكرانَ ذلك، لكنّه ليس بالأهمّيّةِ ذاتِها! تتبدّل هذه، أو تنفَدُ، أو تزول! وثقافةُ الحُبِّ ثابتةٌ، لا تتبدّلُ، هي، ولا تنفَدُ، ولا تزول! والنِّعمةُ لثَبات!

ثقافةُ الحُبِّ، إذًا، وتاليًا، قيمتُه وأهَمّيّتُه، في ماهيّته الجوهريّة الأصيلة الفائضةِ من قدرةٍ عجائبيّة له، على المُحِبّ والمحبوب في الآن نفسِه، وتتركّز في كونه طاقةً خَلّاقة، من جهةٍ، وفي كونه، من جهةٍ أُخرى، نعمةً إبداعيّةً لللمُحِبِّ والمحبوبِ معًا. كلاهما يتبدّل نحو الأرقى. ألحبُّ يصهرهما، يُنقّيهما، يجذبُهما، أقرب ما يمكن، من المِثال. وإلى منتهى الدّهر الّذي لا نهايةَ له!

ثقافةُ الحُبِّ!؟ في أنّه، حَقًّا، طريقُ القداسة!

هل هو، حقًّا، كذلك؟

ألجمعة 21 نوفمبر 2014
www.eliemarounkhalil.com

اترك رد