د. يوسف خليل مارون
مرثاة في فقيد اللغة والأدب سعيد عقل
هل غـــادرَ البلبُلُ الغـــرِّيــــدُ منْــــفـــرِدا
أم مَلَّ يشكو سِنِـــيَّ العمـــرِ متَّئـــدا
سَجِيَّـــةُ الحُـــبِّ لـــلأوطـــانِ ديــــدنُـــه..
فعطَّرَ الشِعرَ من أحـــلامِهِ رَأدا.. (1)
يُـــلـــوِّنُ الفــِكــــــرَ تـــحــديـــثًـــا لـــبَــجــدَتِـــهِ،
ويسكبُ الوحيَ حتَّى يوقِــظَ الأبـــدا..
مــن “كأس خمرِهِ” أغنـــى كُـــلَّ قافيـــةٍ
شــــدوًا، وأبـــدعَ فيها الزُّهْـــدَ والرّشَـــدا
أعطــى العروبــةَ من أســـرار مُهْـــجتِه..
لبنانُ، رَأدَ الضُّحى، في فكرِهِ صعَدا
وبسمةُ الحُسنِ في “راحيلَ” .. غمرتُها
ما أغفلَتْ فـــــي خوافي ليــلِــهــا أحَـــدا
“قدموسُ” صَيدونَ لا يرتاحُ في سفرٍ”
ولا يَضيقُ عـــطاءً للعُلــــى وهُــــدى..
أمجــــادُ لبنانَ في عـــليــائــهـــا رَنـــحَـــتْ
فَراحَ يُغدِقُ فـــي تاريـــخــهــا الرَّغَـــدا..
عقْــلُ السعــيــدِ، وما هانتْ عزائـــمُـــهُ
يُواكِبُ النَّجْمَ في أعلى الذُّرى جَدَدا
فزَحلَـــنَ الوطـــــنَ الغـــالـــي بروعـــتِـــه،
ولبْنَنَ الأرضَ فـــي جنّاتِــها غَــــرِدا!
جُنَّتْ شُموسُ الضُّحى في شِعرِه وَدَدًا،
فبـــارَكَ اللهُ هـــذا المجـــدَ والـــوَدَدا..!
وفــــي جـــنـــاحيْـــهِ أحـــــلامٌ مُـــجــــنَّـــحـــةٌ…
تُزكي المعاني مضاءً للعلى رفَدا (2)
يا شاعرًا فـــي جبينِ الشمسِ مَـــوطنُه
قُربَ النُّجومِ يُناجي الروحَ والجَسَدا!
عروبـــةُ الحرفِ فـــي “دلزى” يُحمِّلُــهــا
نــارًا توهَّـــجَ فـــيـــهـــا النَّجــــمُ مُرتَـــعِـــدا!
في شعرهِ الكونُ للأوطـــانِ يُوسِــعُـــهُ،
وراحَ يُغْـدِقُ فيــهِ الأرضَ والبَــلَــدا..
يــــا طائــــرًا أسْـــكــــرَ الدـــُّنــيـــا بــنــغــمتِـــهِ..
فكم غِناءٍ ينـــاجي السَّمعَ والكَـــبِدا!
غَرسْــــتَ شعـــرَكَ في أَعماقِ ذاكــــرةٍ..
في “المَجدليَّة” يرسو القُدسُ مُحتشِدا
يموجُ بالشَّوقِ قلبــــي حــيـــنَ أذْكُـــرُهــــا،
ما أسعَدَ الشَّوقَ جمْــــرًا وَجَّ متَّـــقِــدا!
وفي عيوني رؤًى تَقْتَاتُ من كـــبِـــدي
تُزِفُّ نورًا على الوِجدانِ قد جَمَدا..
يا لَزمانٍ مضــى، كـــالحُـــلْمِ منسَــــدِلاً!
أجمِلْ بقرنٍ وبالأحلامِ كلّ مـــدَى!
يــــا حـــامِـــلاً هــــمَّ لــبـــنــــانٍ يَــــرجُّ بهِ..
شأوَ الشُّعوبِ، ويُقري حقَّها سَــنَـــدا!
كــنـــتَ السليقةَ ضوعَها وضياءَها..
وكان شِعرُكَ في جُنْحِ الدُّجى عَضُدا!
وكنتَ قلبًا سعيدًا، نـــبـــضُـــه وطــنٌ
وكـــنـــتَ عـــقـــلاً سعــيـــدًا خــالـــدًا أبَـــــدا!
“كتابُ وَرْدِك” يشدو الحبَّ في خَلَدٍ
سبحانَ من صاغَ فيه الحبَّ والخَلَدا! (3)
فكم مَنَحْتَ هدايـــا الشِّــــعرِ مُغتَبِطًــا!
وكم تَعَلَّق فــيـــكَ المــجـــدُ مـــا بَــعُــــــدا!
إيـــهِ سعــيــــدٌ.. فكــــم غنَّيْـــتَ أغـــنـــيـــةً!
فَـــقِــرَّ عــيْـــنًـــا وقـــلــبًـــا طـــاهِـــــرًا وَيَــــــدا!
أُجَنُّ بالعقـــــلِ كم غنَّى لِمـــوطنِـــنـــا..!
وكم تَعَلَمْقَ.. غيــرَ الوجدِ ما وجَــدا!
أينَ اليَراعُ الذي قـــد كــــان يُطــــرِبُــــه؟!
لبَّيكَ من صاغ فيه الحرفَ والوَجَدا!
وأيــــنَ منــــهُ سجـــايـــاهُ التــــي انـــتُـــقِـــدَتْ
في شعرهِ، وكذا مــن أجلِها حُـسِـــدا؟!
أواهِ عــــقــلُ، أيـــا سلطـــانَ مــمـــلـــكـــــةٍ..!
كم من عظيمٍ على أبوابِها سَجَــدا..!
أقسمْتُ ما اهتزَّ في القُرطاسِ لي قلمٌ،
إلا رثـــيــــــتُ أديــــبًــا خالِــــــدًا فُـــــقِــــــدا..!
وفـــــــي جـــنـــانـــي تـــبـــاريــــــحٌ مُـــبَـــرَّحــــــةٌ..
وقد جَعَلْتُ أديمَ الطِّرْسِ لــي مَدَدا (4)
فـــالمـــــوتُ ســـاعٍ لـــقـــتـــلِ النـــاس كــلِّهِمِ،
والمـــرءُ ســـاعٍ كــــأن لـــن يَنْفَـــني أبــــدا
——————————————————————————–
([4]) الطّرس الكتابة: الطِّرس: الصحيفة (أطراس، طروس).
****
(*) بالاشتراك مع aleph-lam
www.georgetraboulsi.wordpress.com