الكاتب والإعلامي بلال حسن التل
لا يحتاج المرء إلى كبير عناء وطويل تأملا حتى يصل إلى حقيقة مروعة، مفادها أن هناك تنامياً في عدد المنظمات التي تمارس الإرهاب.. وأن هناك تصاعداً مستمراً في العنف الذي تمارسه هذه المنظمات.
وصل الأمر إلى مرحلة الوحشية والتوحش على أيدي داعش التي تعتبر مرحلة متقدمة من مراحل الإرهاب، الذي وصل إليه التكفيريون، الذين كشفوا عن أنيابهم مع ظهور القاعدة وتحولها إلى ملهم للكثير من المنظمات التكفيرية، التي مارست الإرهاب على امتداد العالم، عبر سلسلة من التفجيرات المدوية، الأمر الذي استدعى هَبَّةً عالمية لمحاربة الإرهاب، ومنذ بروز القاعدة وانطلاق الجهد العالمي لمحاربة الإرهاب عقدت حول العالم آلاف المؤتمرات والندوات وحلقات النقاش والاجتماعات التي حضرها وشارك في أعمالها قادة دول، ورؤساء وزارات، ووزراء دفاع وخارجية، وقادة جيوش، وأجهزة أمنية. بالإضافة إلى الالاف من المقالات والدراسات والبحوث والكتب التي شارك في كتابتها خبراء سياسيون واقتصاديون، وعلماء اجتماع وعسكريون، واستراتيجيون ومحللون صحفيون.. وكلهاتصب حول دراسة ظاهرة الإرهاب، وسبل مواجهتها، وتجفيف منابعها تمهيداً للقضاء عليها.
بالإضافة إلى الجهود النظرية التي أشرنا إليها أعلاه، فقد كانت هناك جهود عملية،(استخبارية ودبلوماسية وعسكرية) شارك فيها العديد من الدول بجيوشها البرية والبحرية والجوية، وبأجهزتها الاستخبارية، حيث تم استباحة سيادة دول، واحتلال أراض دول بذريعة محاربة الإرهاب،وبالرغم من ذلك كله جاءت النتيجة عكسية تماماً، فهاهي داعش، وهي آخر إفرازات الفكر التكفيري، وتجليات إرهابه تتصدر المشهد العالمي، وتتحدى الدول والجيوش، وتتهم «القاعدة» بالتسامح والاعتدال، بل والتخاذل..في إطار مؤشرات تقول:إن القادم أفظع.ففي الأنباء أن داعش حاكمت بعض المنتسبين إليها بتهمة « الغلو»! فما الذي يريده الذين تتهم داعش «بالغلو»، بعدأن رأينا من داعش ما رأيناه بعد أن اتهمت القاعدة بالتخاذل؟! وبعد أن دمرت داعش ما دمرته، وبعد أن ذبحت الأبرياء وحرقت الأحياء وكفَّرت عموم المسلمين؟!
إن ظهور داعش وتمددها برهان واضح لا يقبل الجدل على أن الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب قد فشلت حتى الآن، وأن دورات العنف تصاعدت حتى وصلت إلى داعش التي هي الآن الأكثر عنفاً وتطرفاً وأن هذا التصاعد في دورات العنف سيستمر إن لم نصل إلى الإجابة الشافية عن السؤال: لماذا فشلت الجهود العالمية لمحاربة الإرهاب؟ وهو فشل يجب الاعتراف به لمراجعة استراتيجيات وخطط وبرامج محاربة الإرهاب. حتى نعالج الفشل الذي تقوم عليه عشرات الأدلة والبراهين من ذلك على سبيل المثال أنه خلال الفترة من عام 2002 إلى عام 2010، وهي الفترة التي شهدت ذروة الحرب العالمية على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حيث تم غزو دول، وانتهاك سيادة دول، وفتح معتقلات علنية وسرية لمحاربة الإرهاب، وبالرغم من ذلك كله فقد شهد العالم خلال هذه الفترة أكثر من 106 تفجيرات ضخمة حول العالم. وهي التفجيرات التي كشفت عن تطور مذهل في قدرات الإرهابيين الاستخبارية، خاصة على صعيد الرصد وجمع المعلومات، مثلما كشفت عن تطور مذهل أيضاً في قدرات الإرهابيين على التفخيخ وفنون التفجير.
غير التزايد في عمليات التفجير التي تؤشر إلى فشل جهود مكافحة الإرهاب، هناك التزايد الكبير والواضح في أعداد الذين يلتحقون بالتنظيمات الإرهابية، إلى درجة أربكت أجهزة الاستخبارات العالمية في معرفة الأعداد الحقيقية للمنخرطين في صفوف «داعش».. لكن وفي كل الأحوال فإن العدد يدخل في خانة الآلآف من المنخرطين في صفوف هذا التنظيم الإرهابي باستثناء المنخرطين في غير داعش من التنظيمات الإرهابية، وهذا التزايد في أعداد الإرهابيين، من الأدلة العديدة على فشل الجهود العالمية لمحاربة الإرهاب.
وعند الحديث عن تزايد أعداد الملتحقين بالتنظيمات الإرهابية يجب أن نشير إلى دليل آخر من أدلة فشل الجهود العالمية لمحاربة الإرهاب، فبالإضافة إلى تزايد عدد الملتحقين بالتنظيمات الإرهابية، هناك تزايد في عدد الجنسيات والدول التي يلتحق مواطنوها بالتنظيمات الإرهابية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأوروبية، واستراليا وغيرها من الدول التي تعلن أنها تحارب الإرهاب، بينما يتمكن هو من تجنيد أبنائها في صفوفه، في ظل مؤشرات على تنامي وتنوع طرق التجنيد التي يستخدمها الإرهاب، بما في ذلك أحدث وسائل التواصل التكنولوجي.. فإذا كانت هذه الدول غير قادرة على محاربة الإرهاب داخل حدودها، فكيف تتمكن من حربه خارج هذه الحدود؟ بل ماذا ستفعل عندما يعود إليها أبناؤها وهو مشربون بثقافة الإرهاب القائمة على القتل والتفجير، وقد بدأت طلائع ذلك تظهر في أكثر من بلد أوروبي..؟
مؤشر آخر من مؤشرات فشل جهود محاربة الإرهاب يتمثل في تطور مصادر تمويل الإرهاب، وتنوع هذه المصادر فبالرغم من كل الجهود التي بذلت لتجفيف منابع التمويل، حتى وصل الأمر إلى اختراق قاعدة السرية المصرفية عن حسابات المودعين في البنوك عدا عن مطاردة الجمعيات الخيرية بحجة تجفيف منابع تمويل الإرهاب، هاهو العالم يواجه داعش كأغنى تنظيم إرهابي على وجه الأرض، مما يعني مؤشر فشل واضح لجهود محاربة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله المالي بالإضافة إلى فشل تجفيف منابع إمداده البشري.
كثيرة هي المؤشرات على فشل الجهود العالمية لمحاربة الإرهاب، لكننا لا نستطيع أن نتجاهل مؤشراً هاماً يتمثل في تطور أساليب الإرهاب والإرهابيين من أسلوب التفجيرات الصغيرة، إلى التفجيرات الكبيرة، إلى خطف الرهائن، وصولاً إلى مرحلة ذبح الرهائن أمام الكاميرات وبالجملة.. والأخطر من ذلك كله الوصول إلى مرحلة احتلال الأرض، كما فعل تنظيم داعش في سوريا والعراق قبل أن يتمدد إلى سيناء وليبيا.. فلم يعد الإرهاب يعمل على قاعدة (اضرب واهرب) بل وصل إلى مرحلة احتلال الأرض والثبات عليها..
وهذا المؤشر من مؤشرات فشل الجهود العالمية لمكافحة الإرهاب يكشف عن خطر حقيقي على مفهوم الدولة الوطنية الحديثة ووجودها؛ كما أن هذا المؤشر يعني أن التنظيمات الإرهابية صارت قادرة على فرض حقائق جيوسياسية على الأرض،مثلما هي الحال في سوريا والعراق وغيرهما، ويكشف ايضاً عن مدى تطور الخبرة القتالية عند الإرهابيين، علىالرغم من كل ما يقال عن جهود محاربتهم.
ومثلما لا نستطيع تجاهل مؤشر تطور أساليب عمل الإرهابيين كدليل على فشل جهود محاربتهم، فإننا كذلك لا يجوز أن نهمل عاملاً آخر يؤشر على تنامي حضور الإرهاب والإرهابيين، مثلما يؤشر على فشل جهود محاربة الإرهاب.. أعني به الحضور الإعلامي المكثف للإرهاب والإرهابيين، ليس على شبكات الانترنت واليوتيوب وسائر وسائل التواصل الاجتماعي فقط، بل وعلى شاشات أهم القنوات الفضائية في العالم التي صار جزء منها يخدم الإرهاب والإرهابيين عن قصد، أو غير قصد وهويرسم للتنظيمات والقيادات الإرهابية هالة كبيرة شكلت عنصر جذب لآلاف الشباب للالتحاق بهذه التنظيمات من جهة، وعنصر إحباط وتخاذل لشرائح متزايدة من الناس، مما يعني ضرورة دراسة آلية تعامل الإعلام مع الإرهاب والإرهابيين.
كثيرة هي مؤشرات إخفاق الجهود العالمية لمحاربة الإرهاب.. وظلَّ أن نسأل: لماذا أخفقت هذه الجهود من خلال عملية مراجعة شاملة وصريحة لاكتشاف مواطن الخلل لمعالجتها، ومواطن الصواب لتدعيمها؟ لانه لايجوز أن نخسر حربنا مع الإرهاب، لأننا سنخسر وجودنا كبشر.
*****
(*) رئيس المركز الأردني للدراسات والمعلومات وصاحب وناشر جريدة “اللواء” الأردنية.