إلى “داعش”

مازن ح. عبّود

أراكم تقرأون بيانات، وتبثّون أشرطة تتسابق على بثّها وسائل الإعلام، ونتسابق على مشاهدتها كما إلى mazen-1أفضل الأفلام، أنتم ترون نِتاجكم فنياً وجميلاً وإلهياً ومحباً للسلام، وهومقزّز. شاهدت كل شرائطكم، وقد زادتني إعجاباً بصلابة من أحرقتم ومن نَحَرتم.

إلا أني أراكم تتعاطون مع عالمنا كأن الدول والشعوب ما زالت تعيش في عصر الخلافة، أو بعد ذلك أو قبله بقليل. لذا، فإني قرّرت أن أبلغكم أن الصليبيين قد زالوا واندحروا بفعل سيوفهم، وبأن أوروبا بغالبيتها اليوم قد تنكّرت لمسيحها، وهذه حال أمريكا أيضاً. أراكم متعلّقين بالصليبيين، وما كان الصليبيون إلا حركة نافرة وهامشية ضربت مسيحيي المشرق قبل أن تطالكم.

أردت أن ألفت انتباهكم إلى أن عصر الأنسنة في أوروبا ألغى الله، وأسند مقامه إلى بشر. لذا، فمعركتكم ليست مع إله أوروبا، لا بل مع من حلّ محله في يقينهم.

أعلمكم أن في أوروبا يُلعن المسيح كل يوم تحت رداء حرية التعبير والتقدّم، من دون رقيب. كل إنسان هناك أضحى إلهاً تحت عنوان تقديس الحرية الفردية وحرية التعبير. آلهة من ورق لا ترتجف إلا جراء ذبذبات الإعلام.

ولّى الصليبيون، وأوروبا ما عادت أوروبا الصليبية ما بعد زمن الخلافة، ولا أمريكا هي أمريكا القيم. كل شيء تغيّر هناك. وأنتم برزتم كأولاد غير شرعيين لعلاقة التكنولوجيا بالخوف والتخلّف في عصر الحدود المفتوحة. لذا، فإني لا ألومكم بل ألعن إبليس الحضارة.

أبلغكم أيضاً أنه قد فاتكم أن تسمية الأقباط هي محفوظة للمصريين القدامى ممّن هم أهل مصر الحقيقيين، وليست التسمية للصليبيين أو بقاياهم. وأنّ من قتلتم هم أهل الأرض الأصليين.

يعزّ عليّ أن أعلمكم أيضاً، كما أن أعلم غيركم، أن بيزنطية سقطت ولم يبقَ من الروم في دنيانا إلا اليونان المتخبّطة بديونها، أما بلاد السلاف فهي بلاد السلاف التي لها مصالحها وآلهتها.
باختصار، صارت الحضارات التي تدّعون محاربتها أنغاماً ومبادئ وأنماط حياة، يصعب عليكم حرقها أو خطفها أو قلبها. صارت من فوق، وما عادت مدائن وجيوشاً وأباطرة.

أخشى أنكم تعيشون في عصر لا تفقهون منه إلا تقنياته ووسائله التي تستخدمونها في سبيل إبادته ونشر جاهلية صحارى الماضي السحيق.

تبدّل العالم يا جماعة، ولن يكون ما تريدون له أن يكون. ألا فبدّلوا تفكيركم كي يتلائم مع تطوّر وسائلكم. إذا كنتم لا تريدون حضارة اليوم فأسقطوا استعمال وسائلها وتقنياتها واختراعاتها. فإنه لا يجوز استعمال وسائل عصر ما لنسفه، ونشر أيديولوجيات العصور السالفة. فلكل أيديولوجية وسيلتها التي تتلاءم معها. إذا كنتم من دعاة العودة إلى السلف، ألا فعودوا إلى وسائله في التكنولوجيا، أيضاً، فتصيرون أكثر تجانساً مع ما تنشدون.daech

أما أنتم يا شهداء مصر، فإنكم لستم الأوّلين ولن تكونوا الآخرين. هنيئا لكم شهادتكم التي جعلت من المتوسط بحراً أحمر نعبره كما عبره النبي موسى قديماً إلى ضفاف أكثر خضرة وسلاماً ومحبة.

أردتم إيصال رسالة إلى الصليبيين في الغرب. إلا أن الصليبيين مجهولو الإقامة أو ببساطة غير موجودين. زال الصليبيون زماناً، ومن تبقّى من أحفادهم ردّ سيفه إلى غمده، إذ أدرك عمق زلات أجداده. أعاد قراءة كتابه، وأدرك أن ما من مدينة باقية على وجه الأرض. من تريدون دحره لن تتمكنوا منه لأن لا سلاح له، ولا من احتلاله لأن لا مطارح له، ولا من قتله لأنه من روح. هذا هو الجواب على كل رسائلكم. إنّ عدوّكم ببساطة هو في مكان آخر، ألا ففتشوا عليه…

اترك رد