الأديب ميشال معيكي
( سنة عبرت على رحيلـه )
اطـلّ علينا أنسي الحـاج ، مشاكسا المألوف ، مطلع الستينات عبر مجموعته الشعرية ” لـن ” ، صدّرها بمقدمـة صادمة ، أعتبِـرت يومها بيانا لولادة ما اسماه ” قصائـد النثـر ” في الحداثـة الشعرية العربية…
ثم حجـز لنفسه موقع صدارة استمر حتى الرحيـل…
قرأنا أنسي الحاج في ” الرأس المقطوع ” و ” ماضي الأيام الآتية ” “وماذا صنعت بالذهب ..”
والرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع ” وفي “الوليمـة ” ثم في ” خواتـم” ، تأملاته الوجدانية …
شكّـل الشعر عند أنسي قضية خاصّة جداً. اخترع لها حياته، والأدوات والتعابير والصوْر، والبوح والصلاة في مغامرة مطلق الحريّة… تجاهل بحور الخليل وهواجس التفعيلة. شـقّ نسقـه اللغوي وثوَّر النصَّ الشعري . محتوى ومضموناً ، لإستيعاب تحدياتِ اللحظة الحضارية وإشكالات الإستجابة، لرهانات شعر عربي حداثي، متفاعِلٍ مع طروحات العصر. وحوّله من حروفيته الجامدة على الورق، الى نبضٍ متناغم ، متواطئ مع إيقاعات الحياة…
في الستينات، استمتع لبنان بروائع المسرح العالمي ، ترجمها أنسـي الحاج بلغة ٍ حديثـة ، توائمُ مناخ الخشبة . فشهدت خشباتُ بيروت، أعمال : شكسبير ويونيسكو وكامو وبريخت و أرابال وDurrenmatt … روائع ادّتها فرق مسرح الستينات في أوج ألقِهـا . مع منير أبو دبس , ريمون جبارة , روجيه عساف , انطوان ولطيفة ملتقى . وأسماء كثيرة : نضال الأشقر , انطوان كرباج , تيودورا الراسي ورضى خوري وسواهم.
” كلماتٌ كلماتٌ كلمات ” ، مقالات نارية قرأناها في ملحق النهار الذي أسّسه أنسي مطالع الستينات ، مرحلة غليان بيروت ، عاصمة العالم العربي وفضاء الثقافة والفنون . طباعة ومسرحاً وفنوناً تشكيلية ومهرجانات عالمية، من بعلبك الى جبيل الى الأرز…
واكـب أنسي المرحلة كتابة ونقـداً نارياً ،في لحظة مفصليّة من تاريخ المشرق العربي ومغاربه . كتب أنسي في الناصرية وعلّـق على الحروب العربية… من نكسة حزيران67 الى حرب 73… تناول المحطات الكبرى والتحولات الفكرية والسياسية ومناحي الأدب . من الوجودية الى السوريالية وصولا الى ثورة الطلاب ( أيار 68 ) الباريسية ، الى مسألة الإلحاد والإيمان والثورة الجنسية…
ملحقُ النهار و ” كلمات ” أنسي ، رافقت المرحلة السياسية والتحولات الكبرى في المنطقة العربية ، يوم كانت بيروت ساحة الحريّة الوحيدة المتاحْة في هذا الشرق !!! كانت مقاهي بيروت وبينها: الـ Dolce Vita ملتقى المضطهدين والمبعدين العـرب ، من بعـثٍ وشيوعيين وقومييـن عـرب وسائر مسمّيات الإنتلجنسيا العربية ، الهاربة من انظمة القمع الشموليّة …
أنسي الحاج ، يومها , كان راصدا الحركات . متابعا ، كاتبا ، ناقدا عبر منصته النارية : ” كلمات .كلمات . كلمات” . من شارع الحمراء … هناك!
اليوم يرقص الوجدان العربي على نصلةٍ جاهلية دامية!!!
أنسي الحاج : ماذا فعلت بالوردة؟
بوحٌ آخر ، لذاتِ عشية ،” بشعرها الطويل حتى الينابيع”!!!
*****
(*) “علـى مسؤوليتــي” إذاعـة صوت لبنـان