في الحُبّ (1) محاولات لتعريف

الأديب إيلي مارون خليل

elieتُحِبّ! ولا تعرفُ متى، ولا كيف، ولا لماذا!

تشعر بقشعريرة تجتاحُك كلَّك: جسدًا وروحًا! تشعرُ تتأكّك من أنّك غرقتَ في ذاتك، وبها فضتَ، وتقطّرتَ نورًا من نور، ورفلتَ بالسّعادة، لكأنّك ساكنُ الفردوسِ المطمئنُّ!

تعرفُ، إذًا، ما يُغيِّر الحبُّ فيك. وتعرفُ حالتَك بعده. وتعرفُ أنّك تنسى ماضيَك وأحوالَك وشؤونَ نفسِك وذكرياتِك المُرّةَ وكلَّ ما وكلَّ مَن، ولا تعودُ تعرفُ إلّا واحدًا كثيرًا هو الحبيبُ الّذي يجمع فيه، بالنّسبة إليك، كلَّ ما به تأملُ، وإليه تطمح، وفيه ترغبُ، فيُغْنيك عن كلِّ مَن، عن كلِّ ما، ويُخْصِبُك، فتحيا به ومعه وفيه، في اكتفاء لا حاجة بعده إلى شيء. إذًا، ففي الحُبِّ تحيا الكمالَ الّذي به تحلم، وإليه تنهدُ وتتوق.

هذا كلُّه صحيح! ولكن، ماذا بعد!؟ هل عرفْتَ ما الحُبّ!؟ هل تستطيعُ أن تعرفَ؟ هل فكّرتَ فيه، سمعتَ به، سألتَ عنه، أعدَدْتَ نفسَك له، أم أحْسَسْتَ به، فجأةً، ومن دون تَصَوُّرٍ ولا تصميم؟ حينذاك تتساءل: ما هو الحُبُّ؟ لماذا به نُبَشّر، وإيّاهُ نطلبُ، وإليه نشتاق؟ وتاليًا ما أهمّيّتُه، دورُه، قيمتُه!؟

ما الحُبُّ!؟ ومَن يعرفُ ما الحبُّ! مهما حاول مفكِّرٌ، أو شاعرُ، أو أديبٌ، أو عالِمٌ، أو… أيُّ أحدِهم، فهل يستطيعُ أن يعرفَ؟ هل يُمكِن؟ بل قبلُ: هل يُحَدَّدُ الحُبُّ؟ أهو إحساس؟ أهو شُعور؟ مَيلٌ؟ رغبةٌ؟ حاجةٌ؟ هل هو لقاؤكَ “النّصفَ الآخر”؟

لربّما كان الحُبُّ هذا كلَّه! ولربّما كان هذا ناقصًا.

تستطيعُ، أنتَ، أن تصفَ مظاهرَ الحُبِّ! فأنت تشعر بتحوُّلٍ، فيك، كأن تشعر بفرحة وغُصّة معًا. باشتداد نبْضِ القلبِ وسُرعة تَدَفُّقِ الدّمِ في الشّرايين. باستيقاظ الرّوح والجسد في الآن نفسِه. لَكأنّك تُصبِحُ كائنًا آخر أشَدّ رقّة، أعمق حَنانًا، أبعد شفَقةً، أكثر امتلاءً، أبلغ سعادةً، أوفر محبّةً… مُستعِدًّا للتّضحية، لتبدُّلٍ في الطِّباع، لرؤيةٍ إلى الحياةِ، جديدةٍ، لطُموحٍ إلى بناء حياةٍ حلوة…

ولكن، هل هذا هو الحُبُّ!؟

ألمظاهر والتّبَدُّلاتُ في الفرد قد تقود إلى المعرفة، لا إلى التّحديد. ألمادّيّ يُحَدَّدُ، إذ له حدود، طول، عرض، سَماكة… وكلّ ما هو مادّة يفسد، يتحلّل. هذا في طبيعة المادّة. أمّا الحُبُّ فعاطفةٌ خَلّاقةٌ… والعاطفةُ إحساس نفسيّ، روحيّ، فهي لا حدود لها، وليست مركّبة لتفسدَ وتتحلَّلَ، وتاليا لا تحديد لها، للحُبّ.

وإذًا!؟ لا تعملْ على تحديد الحُبّ! ليس لأنّك لن تنجحَ، فحسب، بل لأنّ عليك أن تحياه! ألحياة في الحبّ تُعني عن التّفكير فيه، أو تحديده. لا يُمكن تحديدُه، إذًا، إذ من المستحيل جَمْعُ البحر في مَحارة.

لكنّك تستطيعُ أن تتحدّث عن ثقافة الحبّ. لهذا حديثٌ تالٍ.

ألسّبت 8 / 11 /2014

اترك رد