الباحث خالد غزال
يكمن وراء عنوان الاتفاق النووي الجارية المفاوضات حوله بين إيران والولايات المتحدة في شكل أساسي، جملة أمور تتجاوز هذا الاتفاق. فالإدارة الأميركية لا تبدي أي قلق من التمدد الإيراني في المنطقة العربية، بل وتبدو مشجعة لهذا التوغل المتتالي.
وجاءت تصريحات الرئيس الأميركي لتعطي هذا التدخل دفعاً ومشروعية تعرف إيران كيف توظفها في مشروعها الإقليمي. ناهيك بأن ايران تدرك منذ قيام الثورة فيها ان الإدارة الاميركية لا تريد مطلقاً إسقاط هذا النظام، بل تريد توظيفه في سياساتها العربية. ما تقف الولايات المتحدة في وجهه هو الطموحات الإيرانية غير المشروعة للعب دور إقليمي واسع يتجاوز ما هو مقبول أميركيا.
خلال العقدين الأخيرين، وتحت وطأة عجز الأنظمة القائمة في المنطقة العربية عن فرض الأمن ومنع الإرهاب من التمدد، اتجهت الإدارة الأميركية نحو الاعتماد على منظومات الإسلام السياسي المتصاعد نفوذاً. دخلت في مفاوضات مبكرة مع تنظيم الإخوان المسلمين من أجل الاتفاق على المسائل المشتركة التي تضمن المصالح الأميركية، بما هي اسرائيل والنفط، وجرت ترجمة هذا الاتفاق مع الانتفاضة المصرية والدعم المطلق «للإخوان»، والإصرار على هذا الدعم على رغم الفشل الذريع الذي منيت به سلطة «الإخوان». وهو دعم لم ينته حتى اليوم.
من جانب آخر، رأت الإدارة الأميركية ان المراهنة على الإسلام السياسي «السني» ليس كافيا لضمان مصالحها، لذا أعطت أهمية للإسلام السياسي «الشيعي» المتمثل أساساً بإيران، في وصفها قوة فاعلة قادرة على ضمان المصالح الأميركية، إضافة الى كونها تشكل توازناً مع الإسلام السنّي، بحيث يحتاجها «الإسلامان» في صراعات النفوذ في المنطقة. فالدولة الإيرانية يمكنها التدخل في بلدان إسلامية، يصرف النظر عن طبيعتها الطائفية، وتمارس دوراً رادعاً لا تستطيع اسرائيل القيام به، لما يثيره التدخل الإسرائيلي من ردود فعل.
والناظر الى الدور الايراني اليوم في لبنان وسورية والعراق والبحرين واليمن، يدرك ان هذا التمدد لا يقلق لا الولايات المتجدة ولا اسرائيل في الوقت نفسه. ينظر الطرفان الى هذا التمدد من زاويتين: الأولى ضرب القوى المناهضة للهيمنة الاسرائيلية الأميركية، وغرق إيراني في وحول الصراعات القائمة بما يسبب استنزافاً كبيراً للدولة الإيرانية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. هكذا باتت المصالح الجيوسياسية للولايات المتحدة تنطلق من النظرة الطائفية والمذهبية للأنظمة، أكثر من الجوانب المتصلة بالادعاءات حول الديموقراطية وحقوق الانسان.
في السياق نفسه، ترى الولايات المتحدة في إيران فزاعة مرماة في وجه دول الخليج التي تتلقى تهديدات دائمة من إيران الطامحة دوماً الى لعب دور شرطي الخليج على غرار الدور الذي كان منوطاً بالشاه سابقاً. هذه الفزاعة الإيرانية تجعل دول الخليج في حاجة دائمة الى الولايات المتحدة وجيوشها في المنطقة.
لا يغيب عن البال ان الوصول الى اتفاق اميركي مع إيران سيشكل فرصة ذهبية للشركات الأميركية للدخول الى هذه البلاد وتوظيف استثمارتها فيها، بالنظر الى الحاجات الإيرانية الماسة في تطوير صناعاتها بعد سنوات من العقوبات التي حرمت إيران من الإفادة من التطورات التكنولوجية الغربية.
في الجانب الإيراني، وبعيداً من ديماغوجيا الكلام عن عداء لأميركا وللغرب، تبدو إيران متلهفة الى أقصى الحدود للوصول الى اتفاق مع أميركا. فالوضع الاقتصادي الإيراني يزداد سوءاً في ضوء العقوبات المفروضة، وانخفاض سعر النفط يفاقم من الأزمة الاقتصادية، ناهيك عن الاستنزاف المالي والعسكري بسبب تدخل ايران في أكثر من مكان في العالم العربي.
مهدت إيران لتراجعات في الأيديولوجيا والسياسة، فاختفت تعابير «الموت لأميركا»، او «الشيطان الاكبر»، بل ان وزير الخارجية الإيراني بات يتحدث عن الصديق جون كيري وزير الخارجية الاميركي. لعل أبرز التصريحات المعبرة ما بات يطلقها الرئيس الإيراني حسن روحاني عن ضرورةِ الانفتاح على الغرب والحاجة الى الشركات الغربية للاستثمار في ايران.
أما عربياً، فإيران تتمدد وتفتخر بان عدة عواصم عربية باتت تحت أمرتها، وانها لم تعد دولة خارجية بل هي تتحول الى جزء من النسيج العربي، وتنجح، حتى الآن، في تمددها وهيمنتها. يطرح هذا الموضوع تحديات ضخمة على مجمل العالم العربي ودوره، خصوصاً ان إيران تتوسل الطوائف والمذاهب من أجل تكريس موقعها، وهي وسائل بدأت تفرز نتائجها حروباً أهلية ومذهبية تسارع في تفتيت بنى المجتمعات العربية وإدخالها في حروب لا نهاية لها.