الشاعر هنري زغيب
الحادثة المركَّبةُ التي حصلَت لـملكة جمال لبنان في ميامي فلوريدا أَثناء التحضيرات لـملكة جمال الكون، لَـكانت تَـمُـرُّ من دون الضجيج الذي رافقها وبرَّرها تفسيرُ الصبية اللبنانية على صفحتها الإِلكترونية. لكنّ الأَمر تعدّى ذلك، وحَفَّزَته الصورة التي تعمَّدَت ملكة جمال إِسرائيل نشْرَها على صفحتها الإِلكترونية كي تَظهرَ في لقطة واحدة تجمعُها مع ملكة جمال لبنان، مدركةً ما ستسبِّب من فتنة تُصيب الصبية اللبنانية في العالم وفي لبنان بالذات.
وزاد من لهيب الحادثة أَن تَناوَلها المذيعُ اليهودي الأَميركي جون ستيوارت في برنامجه (Daily Show) اليومي الذي تتناقَلُه محطات تلـﭭـزيونية عالمية بينها الـ”سي.إِن.إِن”، والـ”إِن.بي.سي.”، وأَعلن الأَمرَ تحت شعار “أَيُّ صورة أَشعلَت غضَبَ الشرق الأَوسط هذا الأُسبوع؟”، وراح بلهجته الساخرة التهريجية يُسخِّف أَن ينشغِل الشرقُ الأَوسط بصورة ملكة جمال لبنان في لقطة واحدة مع ملكة جمال إِسرائيل، ويشرحُ بلؤْمٍ أَنّ الغضب انهال لأَن الصبيَّتَين من بلدَين عَدُوَّين وما كان يجب أَن تجمعَهما صورة واحدة.
وتناولَت الأَمرَ مجلة “التايم” ذاكرةً أَنّ الصورة اتَّخذَت في لبنان بُعداً ساخطاً، وصوَّرت أَن “لبنان بلدٌ حَقُودٌ” بينما إِسرائيل “بلدٌ مُـحِبٌّ السلام والوئام والتفاهم”. وهنا السخرية الكبرى: ادّعاءُ المجلة أَن “إِسرائيل بلدٌ مُـحِبٌّ السلام والوئام والتفاهم”، وواضحٌ جداً منذ 1948 كم هي “بلدٌ مُـحبٌّ السلام والوئام والتفاهم”.
لا مجال هنا للتبسُّط في الأَمر أَكثر، فالصبية الإِسرائيلية مشحونةٌ سَلَفاً بالــﭙــروباغندا التي يِجب أَن تُسَوِّقَها، ومدركةٌ تَماماً أَثرَ فِعْلَتها، فيما اكتفَت الصبية اللبنانية، بكل بساطة، أَن تُخبر كيف اندسَّت تلك الإِسرائيلية في صورةٍ كانت اللبنانيةُ تلتقطها مع زميلتَين متسابقتَين من اليابان وسلوﭬــينيا.
ولَكُنَّا في غنىً عن تعليقات جون ستيورات وسائر عشيرته التي استغلّت الصورة كي تحاضر في السلام والمساواة بين البشر والوئام المنشود بين بلدان متجاورة في الشرق الأَوسط. وكنّا في غنى عن نصائح مدسوسة وتعليقات لئيمة و”عفويات” مقصودة باندساس الصبية الإِسرائيلية عمْداً في تلك الصورة، وهي عارفةٌ من دون سذاجة بأَنها ستُشعل ردودَ فعل غاضبةً في لبنان.
الصبيةُ اللبنانية، عدا تنبيهِها إِلى ما قد ينتظرها من عَدُوٍّ “مُـحِبٍّ السلام والوئام”، كان على أَوليائها أَن يحيطوها بمرافقين يَقُونها الخطر عند كل خطوة في ميامي فلا تفاجَأُ بين البراءة والسذاجة في فَخٍّ أَو شَرَكٍ أَو صُدْفة مسمُومة مدسُوسة.
وبانتظار أَن يتم ذلك في مسابقات مقبلة تتهافت عليها محطاتنا التلـﭭـزيونية بِبَهرجات وديكورات وإِخراج باهر يُظْهِرُ مفاتن الصبايا في كلّ جغرافياهم، نتمنّى على اللجان التحكيمية أَن تنظُر إِلى جغرافيا عقول الـمُتسابقات قبْل النظر في جغرافيا أَجسادِهِنّ.
*****
(*) إِذاعة “صوت لبنان” – برنامج “نقطة على الحرف”