الكاتب والإعلامي بلال حسن التل
أكثر من مرة قلنا: إنه إذا كان من حق مؤسسات الرقابة، ومنها وسائل الإعلام، ان تسلط الضوء على الثغرات في أداء المؤسسات العامة، بهدف معالجة هذه الثغرات، فإن الواجب يحتم على هذه المؤسسات ان تسلط الضوء بنفس القدر أو أكثر منه على الجوانب الايجابية، والإنجازات المميزة للمؤسسات العامة في بلدنا لأسباب كثيرة.
أولها: العدل والإنصاف.. بحيث لا يظل المسؤول تحت هاجس الخوف من النقد، بل تحت هاجس البحث عن أضواء النجاح والتميز. وثانيهما: ان تتحول قصص النجاح والإشادة بها إلى محرك ودافع للآخرين، ليقتدوا بها فينالون من التكريم ما يستحقون، إن صار تكريم النجاح والتفوق والتميز سنة في بلدنا، وبذلك ننهي مقولة: إن الناجح في بلدنا مضطر للدفاع عن نجاحه، بينما ينام الفاشل قرير العين، بخلاف ما يقوله العقل والمنطق.
مناسبة هذا الكلام هو الإنجاز الأردني العالمي الذي حققته جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، عندما حلت في المرتبة الأولى عربيًا، وفي المرتبة التاسعة والأربعين عالميًا من خلال تصنيف المقياس الأخضر «Green Metric»، الذي يصنف الجامعات من حيث استدامة عملياتها، ومدى التزامها بمعايير البيئة النظيفة علمًا بأن جامعة والعلوم والتكنولوجيا احتلت هذا الموقع من خلال التنافس مع مئات الجامعات من 62 دولة من بينها أرقى الجامعات الأمريكية والأوروبية.
إن مما يزيد من قيمة هذا الإنجاز العالمي الذي حققته جامعة العلوم والتكنولوجيا، أن المعايير التي تم اختيار الجامعة على أساسها لتحتل هذه المرتبة العربية والعالمية تشكل ضرورات وطنية، يمكن من خلالها حل الكثير من مشكلاتنا الوطنية إن نحن عممنا تجربة وأداء جامعة العلوم والتكنولوجيا على مجمل أدائنا الوطني. وأول ذلك المعايير التي تتعلق بالبيئة واستدامتها والحفاظ عليها بأقل الكلف، ولمن لا يعرف أو لمن يعرف، ولكنه ينسى؛ نقول:
إن جامعة العلوم والتكنولوجيا تقوم على مساحة 11 كيلو متر مربع، وهي مساحة تفوق مساحة الكثير من البلدات.. وهي بهذه المساحة تمتلك حرمًا يعتبر من بين الأكبر في الجامعات على الصعيد العالمي غير انها استطاعت التميز في حسن استخدام هذه المساحة واستثمارها عبر الكثير من المشاريع الخضراء والصديقة للبيئة، حتى لقد وصل عدد الأشجار في الحرم الجامعي إلى ما يزيد عن المليون شجرة (منها الحرجي، ومنها المثمر، خاصة شجر الزيتون الذي بلغ عدد أشجاره في الجامعة 45000 شجرة زيتون، بكل ما تعنيه هذه الزراعة من حفاظ على البيئة وتحسين لمستواها، بالإضافة إلى قيمتها الاقتصادية).
ويزيد من قيمة الجهد البيئي الذي تبذله جامعة العلوم والتكنولوجيا الذي أهلها لهذا الموقع العربي والعالمي قلة كلفته، ذلك أن الجامعة على سبيل المثال، تقوم بريّ أشجارها صيفًا من بركتها التي يتم تعبئتها من مياه الحصاد المائي الذي يتم جمعه في موسم الشتاء، بعد خلطه بالمياه المستصلحة الخارجة من محطة التنقية في الجامعة.
وبهذا تقدم الجامعة دليلاً عمليًا وعلميًا على الحجم الذي يمكننا ان نستفيد به من مياه المطر التي يذهب ملايين الأمتار منها هدرًا في كل سنة نتيجة لضعف اهتمامنا بالحصاد المائي.. سواء كان ذلك لقلة السدود، أو قلة الحفائر، أو غياب الآبار، أو غيرها من وسائل جمع مياه الأمطار. بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة من محطات التنقية بعد معالجة مياهها، وفي تجربة جامعة العلوم والتكنولوجيا دليل عملي وعلمي واضح.
المعيار الثاني الذي تم على أساسه اختيار جامعة العلوم والتكنولوجيا لتحتل هذه المرتبة عربيًا وعالميًا، لا يقل أهمية عن المعيار الأول، وهو معيار التوفير في الطاقة التي تُشكل قاصمة الظهر للميزانية العامة للدولة الأردنية، وبالتالي لمؤسساتها العامة، ومنها جامعة العلوم والتكنولوجيا التي وجدت حلاً لمشكلة الطاقة لديها من خلال مسارين..
الأول: يتمثل بترشيد الاستهلاك، والثاني يتمثل باستغلال الطاقة الشمسية في الكثير من مجالات عملها، بما في ذلك تسخين مياه بركة السباحة في المجمع الرياضي للجامعة، ناهيك عن طرح الجامعة لعطاء مشروع محطة توليد الطاقة الكهربائية بقدرة 4 ميغاواط باستخدام خلايا الطاقة الشمسية، والجامعة تقدم بذلك دليلاً عمليًا وعلميًا على مدى الوفرة الاقتصادية التي يمكننا ان نحققها من خلال اعتماد وسائل الطاقة البديلة، وفي مقدمتها الطاقة الشمسية لتقليص حجم فاتورة الطاقة التي صارت عبئًا كبيرًا على الميزانية العامة للدولة، وعلى الميزانية الأسرية لكل بيت أردني.
وفي إطار جهودها لحل مشكلة الطاقة نفذت جامعة العلوم والتكنولوجيا مشروع البيت البيئي، وهو مشروع تتطلع الجامعة ليكون منارة لبناء ونشر الوعي البيئي والبحثي.. ليس على مستوى الباحثين وطلبة الجامعة، بل على مستوى المجتمع.
معيار ثالث من المعايير التي أهلت جامعة العلوم والتكنولوجيا لاحتلال هذا الموقع المتقدم عربيًا وعالميًا، هو معيار استدامة البُنى التحتية، وهذا أيضًا من همومنا الوطنية، ذلك ان غياب الصيانة والاستدامة من أهم الآفات التي تعصف بمرافقنا العامة وكل مكونات البنية التحتية التي كانت من مفاخرنا الوطنية، سواء على صعيد المباني، أو الطرق، أو المطارات، أو شبكات المياه والكهرباء، يوم كانت استدامتها وصيانتها وحسن استخدامها تحتل أولوية قصوى لدينا، وها هي جامعة العلوم والتكنولوجيا تقدم دليلاً علميًا وعمليًا على أهمية استدامة البُنى التحتية. وأثر ذلك على الاقتصاد، وعلى ذكر الاقتصاد نحب ان نؤشر إلى سلسلة النجاحات الاقتصادية التي حققتها الجامعة من خلال نجاحها في عمليات الحوسبة التي وفرت عليها الكثير من أثمان الورق والقرطاسية وهذه لبث مجال التوفير الاقتصادي الوحيد الذي حققته جامعة العلوم والتكنولوجيا ولكن شفناه كنموذج.
كثيرة هي المعايير التي طبقتها جامعة العلوم والتكنولوجيا، ومن أبرزها خدمة المجتمع المحلي للجامعة والذي يتكون من أربع محافظات في المملكة، هي من أكبر المحافظات في المملكة وأكثرها اكتظاظًا بالسكان الذين تستفيد نسبة عالية منهم من خدمات الجامعة التي كتبت قصة نجاح تستحق الدراسة والاستفادة منها، خاصة وان كل معيار من هذه المعايير يتداخل بصورة كبرى في المشكلات التي نُعاني منها على الصعيد الوطني. مما يعني ان حلّ مشكلاتنا الوطنية ليست بالأمر المستعصي إذا توفرت لها إدارة علمية، وإدارة حكيمة، وإدارة تعمل بصمت لتتفوق كما حدث في جامعة العلوم والتكنولوجيا، التي تستحق التهنئة والشكر على هذا الانجاز العربي والعالمي، الذي حققته عن جدارة وبعيدًا عن المجاملات، والواسطة والمحسوبية.
******
(*) رئيس المركز الأردني للدراسات والمعلومات وصاحب وناشر جريدة “اللواء” الأردنية.