د. مها خيربك ناصر
ليس من شموع تليق بيوم مولد سيّد الكلمات…
وهل للشموع مقام في حضرة نجوم تتسابق لتستمدّ من معانيه ضوءها، وتفخر بأنّها عدد لمعدود لا يُعدّ…؟
بخٍ… بخٍ لك أيتها النجوم الرافلة بطهر حضوره… ومبارك معنى يستمدّ نوره من سرّ أعوامه ومعانيه…
وهل للمعاني عمر تراكمه السنون؟
ثمانية وعشرون عامًا والنجوم تضيء معموديّة التقوى، وترتّل أنغام اليقين والإيمان…وأنا رقم مهمل أنكره ضوء شمع يجيد الاغتسال في ماء ذاته.
ثمانية وعشرون عامًا ونفسي مثقلة بطيب الذكرى وليس من شمع يقرأ غيث قلبي… ولا قناديل تعلن نهاياتها…والعيون ما برحت تسبح في مواقد تعبّدها…
ثمانية وعشرون عامًا خطّتها روزنامة الحياة وما زال نور وجه يرشح بسرّ الولادة، ويرسم حروف ضوء تتوضّأ بها معاني الصور…
في ذكرى ولادة…تحوكني الصور، فينجدل الحنين وردة تعيد تشكيل فرحها من أكمام حزنها. فهل الذكرى نور و نار؟ وهل الولادة بداية ونهاية؟ وهل الموت نهاية وبداية؟ وهل أنت أيتها النفس المغتسلة بزيت ألمها يغريك حرف النون أم الباء أم تستعجلينهما معًا؟
بداية ونهاية … فمتى كان بدء؟ ومتى كان نهاية؟ وهل يفصلهما إلاّ صفر هو أصل في معنى الأرقام؟ وهل الصفر إلاّ غلة سعي بين يأس ورجاء؟ وهل الرجاء إلاّ انبلاج الرغبة في رحيل حيث لا بدء ولا نهاية…؟
نعم يا بني يعود يوم مولدك، ورحيلي رجائي، والعمر يحيا بانسحاق لحظاته تحت عجلات الانتظار، فأركع في محراب الوعد، وأرسم من مناغاتك قوة لا تعرف الهرم، وأكتب من وحي عينيك آيات لطفولة شحنت نفسي بالإيمان والتقى والرضى والطمأنينة؛ فأبصرك شابًا تدفّئ بسمته صقيع شيخوختي..
في ذكرى مولدك يا بني تتأنّق صورة مهد شهد نورًا سماويًّا كان يشعّ صلاة وتقوى كلّما سمع صوت آذان أو دقّ أجراس…
فوق ذاك المهد ارتسمت هالة سلام فاضت إيمانًا ورضى ونعيمًا ومزيدًا من الشكر. ولكن ما الزيادة التي جاء بها الشكر؟ ألم يأتِ في الكتاب العزيز:” ولئن شكرتم لأزيدنكم”؟ فلماذا أثمر الشكر ثكلاً؟ ولماذا يُقصف غصن أمومة؟ ولماذا ضاقت صورتك بمعناك؟ ولماذ استردّ الرب وديعته؟
هي السنوات تعبر بي إلى حيث يشتاق يقين … واليقين تصهره ذكرى ولادة تشحن روحي بخصب الصبر والانتظار… فلا خصب يماثل خصب فرحي في يوم مولدك يا حسّان؟ وهل من رغد أعظم من رشح الحبور من طهر وجه نطق أسرارًا؟
نعم يا بني في الثاني والعشرين من شهر كانون الأوّل عام ستة وثمانين وتسعمائة وألف انتشر طيب ما حلم به عقل ولا تخيّله يقين…فكنت معك، يا سيدي، أشعر أنّني إنسان يعرف معنى الاكتمال البشريّ؛ لأنّ وجهك الملائكيّ منح البيت بركة فرح عظيم ما زلت أفيء إليه في صحراء عمر أرهقه حدو الحنين..
على أهداب شجني يا بني أشعل تباريحي… وأسرج صلاة الشوق…وعيناك يا حبيبي منارة رجائي…
ثمانية وعشرون عامًا وما انطفأ سرّ يديك.. وما ذبلت ترانيم شفتيك … فمتى يكون موتي وتكون قيامتكَ؟
وحدها نجوم السماء تعلن قداسة زمن ما زال طيب بخوره يبلسم جراح الثكل…ويبارك ترانيم عتبات الشوق…فتتألق شموع انتظاري ضياء وعد..
كانت زيارتك بيتنا وعدًا انتظرته بألق الأمومة، وكان رحيلك قدرًا صلّيت وركعت وسجدت ورجوت ليكون لطيفًا…
ها هما يداي، يا حبيبي، لم يرهقهما انتظار بخورك… وها هما عيناي ما برحتا تغزلان ترانيم الرجاء من مباخر الألم والفقد والثكل والصبر…
إنّه الرجا، يا حسان، يلّذ له الاشتعال على بيادر أمومتي وحنيني، فيصير القمح قناديل تحتضن أضواء نجوم تحتفي بيوم ولادة.
في ذكرى مولدك، يا بني، ما زال الشوق يتأجّج إلى حدب يديك، وإلى فيض حكمتك، وإلى عطر هنائك… يراكمنا الانتظار وليس من شمع يغسل احتراق أيامي…وحدك يا بني تبارك في ذكرى يوم ولادة صفر كينونتي… فهل الصفر غلة فرحي وحزني؟؟؟
بارك أيّها الملاك الطاهر مجامر صبري وانتظاري… لقد ملّني الصبر والتصبّر، وليس من فرحٍ أعظم من فرح اللقاء…. فمتى يولد فرحي؟
بيروت 22- 12- 2014