الكاتب والإعلامي بلال حسن التل
أكثر من مرة قلنا: إننا نعيش فوضى ثقافية خطيرة، ومؤذية ومتناقضة، أول علامات التناقض فيها، انه بمقدار ما نلمس من فقر في الإنتاج الثقافي المتميز والمؤثر، فإننا نلمس كثرة مظاهر وحفلات التكريم لمن يُقال انهم متميزون من الشعراء والقاصين والروائيين، والمسرحيين، وكتّاب الطفل، والإعلاميين.
والسؤال الذي يطرح نفسه: إذا كان لدينا كل هذا العدد الكبير من الذين يستحقون التكريم لتميزهم، فلماذا هذه الشكوى من ضحالة الواقع الثقافي، ومن قلة أثر وتأثير المثقفين في واقع مجتمعاتهم؟.
والجواب ببساطة: إن نسبة كبيرة، وكبيرة جدًا من حفلات التكريم، وما يتخللها من توزيع الدروع والشهادات، ليست أكثر من أعمال تجارية رخيصة، تنظمها في الأغلب جهات تجارية مغمورة، تبحث عن مرضى باحثين عن أضواء الشهرة فتقنصهم وتبيعهم بالمال ألقابًا فارغة، ودروعًا رخيصة، وشهادات لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به، وتصبغ عليهم أوصافًا ليس لها أول ولا آخر، في وصلة تكاذب الصدق الوحيد فيها ان كل طرف من أطرافها يعلم انه يكذب ويُكذب عليه، في أبشع عملية تشويه وتدمير لما تبقى من مكونات حياتنا الثقافية.
مناسبة هذا الحديث أن الأمر قد زاد عن حده ودخل في خانة اللامعقول، فقد صرنا نسمع بصورة شبه يومية عن الكثير من حفلات التكاذب حول أفضل إعلامي احتلها من لا يعرفه الإعلاميون، وأفضل روائي لم يسمع به النقاد، وأفضل شاعر بالرغم من انه لا يعرف الأوزان، وأفضل مدرب يحتاج هو نفسه إلى من يدربه على أبجديات مهنته، وفي ذلك كله اعتداء على المبدعين الحقيقيين–شعراء، وروائيين، وقاصين، وإعلاميين–تعف أنفسهم عن الرخص الذي يمارسه من يشترون الدروع والألقاب من مؤسسات رخيصة، لا يزيد عنها رخصًا إلا بعض هؤلاء الذين نسمع انهم صاروا من حملة شهادات الدكتوراه الفخرية، على الرغم من انهم أشباه أميين، ولم يقدموا شيئًا في المجالات التي منحوا فيها درجة الدكتوراه الفخرية مدفوعة الثمن، التي صاروا بوساطتها يمارسون أبشع عملية خداع، عندما يقدمون أنفسهم مسبوقين بلقب دكتوراه.. مما يستدعي وضع حد لكل هذا الخداع والتخريب.
لقد صار على مؤسساتنا الرسمية، وفي مقدمتها وزارتا الثقافة والتعليم العالي، ومؤسساتنا الأهلية وفي مقدمتها النقابات المهنية التدخل لوقف هذا العبث، والمتجسّد في منح الألقاب والدرجات لأناس صاروا يتصرفون في المجتمع على أنهم الأفضل في مجالهم في أبشع عملية خداع للنفس وللآخر. فصار من الضروري حماية المهن، وحماية الدرجات العلمية من المتطفلين عليها، وأول هؤلاء هذه المؤسسات التجارية الرخيصة والمغمورة التي لم تجد سوى الألقاب للمتاجرة بها دون مراعاة الحد الأدنى في شروط ومواصفات التفاضل، وهذا يُشكل إساءة بالغة للجوائز الرسمية التي تمنحها الدول والمؤسسات العلمية العريقة على مستوى العالم، وقبل ذلك إساءة بالغة للمبدعين الحقيقيين، وغمطًا لحقهم من المتطفلين. فهل ننقذ ما تبقى من مكونات حياتنا الثقافية والعلمية من هذا العبث؟.
******
(*) رئيس المركز الأردني للدراسات والمعلومات وناشر ورئيس تحرير جريدة “اللواء” الأردنية.