أضواء على “معهد الدراسات النسائية في العالم العربي”-بيروت… سميرة أغاسي: لا تطور لأي مجتمع طالما المرأة فيه مهمشة وحقوقها منتهكة

منار علي حسن

لأن الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت تأسست على يد امرأة في فترة الاحتلال العثماني، وكانت logo maa3had dirasat al 3alam al 3arabiمدرسة لتربية البنات، كان من الطبيعي أن ينشأ بين حناياها “معهد الدراسات النسائية في العالم العربي” الذي آل على نفسه، منذ تأسيسه (1973) متابعة حمل مشعل الدفاع عن قضايا المرأة، والتزامه بقضايا المساواة الجندرية، وقضايا المرأة في العالم العربي، إضافة إلى عمله الأكاديمي، وآخر نشاطاته في هذا المجال إطلاق برنامج الماستر في الدراسات الجندرية، فضلا عن تنظيم نشاطات ومؤتمرات وإصدار مجلة “الرائدة”.

حول أبرز محطات المعهد، ودوره اليوم في مساعدة المرأة على مواجهة التحديات التي تواجهها على الصعد كافة وسط التغيرات التي تشهدها بعض الدول العربية كان الحوار التالي مع مديرة المعهد الدكتورة سميرة أغاسي.

متى تأسس معهد الدراسات النسائية في العالم العربي التابع للجامعة اللبنانية الأميركية؟

تأسس عام 1973 في بيروت، بهدف إنجاز بحوث أكاديمية رائدة عن النساء في العالم العربي، وتعزيز مكانتهن عبر إعداد برامج تنموية وتعليمية، دعم تغيير السياسات المتعلقة بحقوق المرأة في المنطقة، الانخراط في البحوث الأكاديمية التي تتناول موضوع النساء في العالم العربي، إدخال الدراسات النسائية في مقررات الجامعة اللبنانية الأميركية، إقامة جسر علاقات مع منظمات وجامعات وطنية وإقليمية ودولية معنية بقضايا النساء والنوع الاجتماعي.

لماذا تحتضنه هذه الجامعة بالذات؟

لأن الجامعة كانت الرائدة في تعليم المرأة، فقد تأسست عام 1924، تحت اسم كلية بيروت للبنات، وعمدت على مدى أكثر من نصف قرن إلى تخريج أفواج من الطالبات، وكانت أول مؤسسة جامعية نسائية من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، قبل أن تصبح مختلطة سنة 1973.DSC_5913

هل يأتي ضمن هذا الإطار إطلاق المعهد برنامج الماستر في الدراسات النسائية والنوع الاجتماعي في خريف 2014؟

بالطبع، فنحن نسعى إلى تنشئة باحثين شابة شباب، لذا توفر وحدة “الدراسات النسائية والنوع الاجتماعي” صفوفاً دراسية للطلاب الجامعيين للتعريف بدراسات النوع والقضايا المطروحة في النظرية النسائية، وتقديم صورة النساء في الآداب ووسائل الإعلام. كذلك، يستقبل المعهد متدربين من الطلاب والباحثين للمساهمة في البحوث والمشاريع التي يديرها المعهد.

ليس هذا فحسب، بل يمنح المعهد جائزة “ماري تيورنير لين” لأفضل بحث تقدمه الطالبات اللواتي يتابعن دراستهن في الجامعة اللبنانية الأميركية في موضوع الدراسات النسائية أو النوع الاجتماعي، أو نص إبداعي أو مقال متميز.

تهدف هذه الجائزة إلى التعريف بمعهد الدراسات النسائية في العالم العربي التابع للجامعة اللبنانية الأميريكية وبأهمية إنجاز بحوث في قضايا المرأة والنوع الاجتماعي.

لماذا الجائزة باسم ماري تورنر لين؟

لأنها التزمت بقضايا النساء في العالم، واجتهدت لتحسين شؤون المرأة انطلاقاً من جامعة نورث كارولينا لأكثر من ثلاثين عاماً، بعد ذلك أسست ابنتها الدكتور ماري لين تورنر جائزة لتكريم عمل والدتها في اطار السعي لتعزيز شؤون المرأة وتطويرها.

يصدر المعهد مجلة “الرائدة”، فهل الهدف منها بحثي توثيقي أم منبر للإضاءة على قضايا المرأة؟

هي منبر ومساحة بحثية في الوقت نفسه، فمنذ 1976، تاريخ إطلاقها، أخذت المجلة على عاتقها معالجة قضايا النوع الاجتماعي في السياقات التاريخية والمعاصرة، بهدف سد الفجوة الحاصلة بين المعرفة والواقع، وتعزيز البحث العلمي ونشر معلومات جديدة عن وضع النساء في العالم العربي.
يتناول كل عدد ملفاً خاصا يتمحور حول أحد المواضيع المُختارة، ومقالات وتقارير للندوات وحوارات وقراءات نقدية للكتب وأخبار الفن والأدب.

تصدر المجلة مرتين في السنة ومن أبرز عناوينها: العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي في العالم العربي، المواطنية والنوع الاجتماعي في العالم العربي، مسؤولية العائلة وقابلية المرأة على التوظف، الحصص الجندرية والتوظيف البرلماني، المراة والفنون…

إلى مجلة الرائدة، للمعهد نشاطات عدة تصب في مجملها في خانة المرأة المهمشة، فما ابرز هذه النشاطات؟

من أبرز نشاطاتنا إصدار دليل للعاملات في سجون النساء في لبنان، يستهدف المجتمع المدني المحلي والهيئات الدولية المعنية بقضايا السجون في لبنان، المؤسسات الدينية، صناع القرار المسؤولين عن تدبير السجون، بهدف مساعدة كل من يرغب في إنجاز مشروع في سجون النساء وإعطاء معلومات عن حقوق النساء السجينات في لبنان ووضعهن.cover

في هذا الإطار، استضاف المعهد فيلم “يوميات شهرزاد”، لزينة دكاش، يتمحور حول قضايا السجينات في سجن بعبدا وأنجزته زينة دكاش عام 2012، على مدى عشرة أشهر ويتضمن شهادات لسجينات العنف المنزلي، والرومنسية البائسة والحرمان من الأمومة ووقعوهن تحت سطوة القمع الذي يؤدي غالباً إلى الجريمة.

بالإضافة إلى ذلك، يعمل المعهد منذ سنة 2008 على إعداد قاعدة بيانات إلكترونية باللغة الإنكليزية تحمل عنوان “من هي في لبنان؟” تضم معلومات وتراجم لنساء لبنانيات معاصرات رائدات في مجال تخصصهن، من مديرات وقائدات وسياسيات ومهنيات وفنانات وباحثات…

كذلك، أطلق برامج إنمائية من بينها: برنامج تمكين المرأة العربية عبر محو الأمية (2005)، لتوعيتها حول امور معيشية يومية ، وتثقيفها على صعيد الصحة الإنجابية، والتنشئة الاجتماعية…
في سياق متصل ينظم المعهد منذ عام 2000 مهرجاناً سينمائياً يتضمن أفلاماً وثائقية لها علاقة بشؤون المرأة.

استضاف المعهد مؤتمراً دولياً بعنوان “البلاد العربية والتحولات الراهنة: الحقوق الجندرية والإصلاحات الدستورية”، ما خلفياته ولماذا انعقاده في هذا الوقت بالذات؟

نظمنا المؤتمر بالتعاون مع “مؤسسة المرأة والذاكرة” “وكونراد أديناور ستيفتونج” “والمركز الدانماركي للمعلومات عن الجندر والمساواة التنوع”(كفينفو)، ويأتي ضمن أهداف المعهد الذي يسعى إلى تحقيق المساواة بين الجنسين كحافز أساسي للتغيير، في ظل التغيرات الهائلة والسريعة التي تحدث في المنطقة، وفي أعقاب الإنتفاضات والثورات التي اجتاحت العالم العربي.

جمع المؤتمر باحثين وأكاديميين من بلدان عدة لدراسة القضايا المطروحة من وجهات نظر مختلفة، والتعلم من حالات وخبرات مختلفة.

يعمل مركز كفينفو مع معهد الدراسات النسائية في العالم العربي، ومركز المرأة والذاكرة، منذ سنين، وأنشطتنا مخصصة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتتناول قضايا تتعلق بإنصاف المرأة وتمكينهاً سياسياً إقتصاديا، ومعالجة العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي.

تضمن المؤتمر اربعة عناوين: المشاركة السياسية للمرأة في الربيع العربي، واستطراداً المشاركة السياسية للمرأة في العملية السياسية على إمتداد العالم العربي، دورها ومكانتها في الدستور على امتداد العالم العربي، في الإصلاحات الدستورية، في المجتمع العربي، من خلال قوانين الأحوال الشخصية، وخبرتها على الأرض.

أطلقتم في مارس الماضي الحملة الوطنية لحماية القاصرات من الزواج المبكر، إلى اي مدى تبرز هذه القضية وضع المراة المذري في البلاد العربية؟

أطلقنا الحملة الوطنية لحماية القاصرات من الزواج المبكر، في مارس الماضي تزامناً مع اليوم العالمي للمرأة، بالتعاون مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، لرفع الصوت عالياً في وجه الانتهاكات لحقوق المرأة الإنسانية.

نحن اليوم فخورون بأن نكون جزءاً من هذه الحملة المهمة التي تهدف إلى تحسين وضع الفتاة والمرأة في لبنان، وتتماشى مع التزام المعهد احترام المواثيق والمعاهدات الدولية التي تسعى غلى تحقيق المساواة بين الجنسين وتشهد على التزام المعهد الأهداف الإنمائية للألفية.

مؤسف أن الفتاة والمرأة في هذه المنطقة تعانيان من التمييز والانتهاكات لحقوقهما الإنسانية، بالإضافة إلى سيادة الثقافة الذكورية وقيمها التي تضع المرأة في حالة تبعية وتذلل. فالمرأة لا تزال، حتى يومنا هذا، تعاني من كافة أنواع التمييز والإجحاف منها: العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي، التمييز على مستوى القطاع الاقتصادي، عدم المساواة في الصحة الإنجابية، انعدام التمثيل السياسي، الممارسات التقليدية المؤذية، وما إلى هنالك من ممارسات وانتهاكات مجحفة بحقها.

إننا كمعهد نؤمن بأن المساواة بين الجنسين إحدى الأدوات الأساسية التي من شأنها تحقيق التطوّر الإنمائي، مكافحة الفقر، بالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية. لذا تسليط الضوء على المشاكل التي تعاني منها المرأة في عالمنا العربي والعمل على إيجاد حلول لها، لا بد من أن تؤديا إلى إحقاق التطوّر والازدهار في مجتمعنا العربي.

لا يمكن لأي مجتمع أن يتطوّر طالما أن المرأة فيه ما زالت مهمشة وحقوقها منتهكة. من هنا نجد أن وضع المرأة يشكل أحد المقاييس التي على أساسها يكون المجتمع إما متطوّراً ومزدهراً أو متخلفاً. إذاً، أصبح تمكين المرأة أمراً ضرورياً وليس ثانوياً /كمالياً. فلا يمكن أن تبقى المرأة خارج إطار تطوّر المجتمع، ونحن نناضل في سبيل حماية حقوق المرأة التي هي جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان.

أنت شاعرة وأديبة ومسيرتك حافلة بالعطاء على الصعد الأكاديمية والأدبية، منذ متى بدأت علاقتك بالأدب؟

منذ طفولتي، كان لمعلمتي في الأدب الإنكليزي مسز توماس الفضل في ذلك، فهي علمتني كيف احب شكسبير لا سيما ماكبث، وكتبت الشعر منذ ذلك الوقت وأنا ما زلت على مقاعد الدراسة، وقد نشرت ديواناً بالإنكليزية في التسعينيات في عنوان “السهم المنطلق”، وكانت أطروحتي الدكتوراه في مجال الأدب المقارن.
بعد ذلك توقفت عن كتابة الشعر لانشغالي بالعمل الأكاديمي، إذ توليت على مدى سنوات ثماني منصب عميدة كلية الآداب في الجامعة اللبنانية الأميركية، قبل أن أتفرغ لرئاسة المعهد.

بعد ذلك نشرت كتاباً حول الهوية الذكورية في الرواية العربية منذ 1967 (منشورات جامعة سيراكيوز -2007)، يتناول تأثير الحروب العربية على نفسية الرجل، من خلال الرواية العربية، وطريقة تعامله مع المرأة التي تسيطر عليها النزعة الذكورية.
صحيح أنني أردت إبراز صورة المرأة المظلومة، لكنني توخيت ايضاً الإضاءة على أن الرجل العربي مظلوم بدوره بسبب النظم الديكتاتورية في سوريا والعراق، وأنه ينوء تحت عبء المشاكل السياسية، خصوصاً بعد 1967، والأثر الذي تركته النكسة عليه.

كذلك يصدر لي قريباً كتاب حول كيف تكتب بيروت في الرواية العربية، ورصد تحركات الناس في الشوارع والمقاهي (منشورات جامعة أدنبره- 2015)، باختصار، الكتاب مقاربة جغرافية للمدينة، استغرق العمل عليه حوالى أربع سنوات.
ولدت في بيروت، وعشت فيها في الظروف كافة التي مرت بها، ولم اتركها طيلة فترة الحرب التي عصفت بها، لذا أردت أن أفيها بعضاً من حقها علي، وأن أبين مدى عشقي لها، فكان هذا الكتاب تحية لها من العمق، بعدما لاحظت أن معظم الكتب التي تناولتها كانت وصفية.

إلى جانب الكتب لديك مقالات في صحف ومجلات لبنانية وعالمية، ما الصفة الغالبة عليها؟

نشرت مقالات في شؤون مختلفة تتعلق بقضايا المرأة والقضايا الأدبية على السواء، ففي مسيرتي الأكاديمية حرصت على أن أوازن بين الهمين الأدبي والاجتماعي، ونجحت في إيصال قضيايانا إلى أعلى المنابر العالمية في أميركا وأوروبا، فضلا عن مشاركتي في مؤتمرات عالمية وندوات ومحاضرات…

*****

(*) جريدة “الجريدة”. 

اترك رد