الشاعر هنري زغيب
إِحصاءان متضادّان هذا الأُسبوع من موقعَين بريطانــيَّــين عن لبنان: الأَوَّل من “التلغراف” والآخَر من “الإِيكونومِسْت”.
في موقع “التلغراف” الإِلكتروني إِحصاءٌ عن أَقدم 20 مدينةً مأْهولة في العالم، أَشار إِلى “ضرورة زيارتها قبل فقدان معالمها الأَثريّة والتراثيّة بسبب الحروب أَو بفعل الكوارث الطبيعيّة أَو بسبب تدخُّلات الإِنسان”، وجاء نصيبُ لبنان منها أَربعاً من واحاتنا العريقة تسلْسُلاً تاريخياً: ثاني المدن جبيل (مأْهولة منذ 5000 سنة)، السابعة صيدا (منذ 4000 سنة)، العاشرة بيروت (منذ 3000 سنة)، الثانية عشْرة صوْر (منذ 2750 سنة).
وفي موقع “الإِيكونومِسْت” الإِلكتروني أَنّ “لبنان بين أَكثر بلدان الشرق الأَوسط تعرُّضاً للمخاطر السياسية، فوَضْعُه السياسي غيرُ مستقرّ بين بلدانٍ مجاورة غير مستقرّة، وديونُ حكومته في ازديادٍ مرهِق، وتحصيلُ الضرائب والواردات ضئيل، وحجمُ الدَّين بلغ ثلْث نفقات الدولة، والأَداءُ الاقتصادي في وهْن متزايد، وديونُه الخارجية بلغَت 40 في المئة من دينه العام بالدولار الأَميركي واليوروبوند، ولا خلاصَ له من هذه الهوّة المالية إِلاّ في محاولة الحكومة اجتراحَ إِصلاحٍ ماليّ ووقْف الهدر العام”.
هكذا إِذاً: نحن بين نيران الجوار الممتدّة إِلينا وما زال معظمُ مسؤولينا آخذين وقتهم في الدرس والتحليل، والإِمعان في التعطيل، والتمديد والتأْجيل، كأَنّ الوطن بأَلف خير، ولديهم كلُّ الوقت كي يسترسلُوا في التنظير، والنار تقترب، واللص بات في قلب البيت، وما زالوا آخذين وقتهم في التنظير والتعبير والتبرير.
بلادٌ منذ أَربعة أَشهر من دون رئيس، وما زالوا يعطِّـلون الانتخاب الرئاسيّ، يعطِّـلون جلسات التشريع، يعجَزون عن إِيجاد موارد تغطّي النفقات، يُـبشّرون بقطْع الرواتب عن الموظفين، ولا ينسون أَن يَـبتسموا لكاميرات التلـﭭـزيون وبرامج الــ”توك شو”، ويتبارَوا في إِلقاء التُّهَم على “الفريق الآخر”، وفي البيوتِ شعبٌ لا يعرف كيف يَقِـي غَدَه من مخاطر يومه.
ماذا يُجدينا أَن تكونَ أَربعٌ من واحاتنا التاريخية بين أَقدم المدُن في العالم، حين لا يجرؤُ سائح على قطع تذكرة سفر إِلى بيروت؟
ماذا ينفَعُنا أَن تكون عندنا أَعرقُ المدُن في التاريخ (أُضيفُ إِلى تلك الأَربع: بعلبك وطرابلس وقانا)، حين لا سيّاح عندنا يُنعشون السياحةَ التي هي بين أَهَمّ مواردِنا؟
الأَمن الاجتماعيّ ضروريّ، والأَمن الغذائيّ كذلك، والأَمن الصحيّ.
على أَن الأَمن السياحي أَساسٌ في رفْد خزينتِنا بمواردَ تنقذُها من بعض عجْزٍ أَورثنا إياه مسؤُولون ما زالوا يتنافَسون على تعطيل الرأْس الذي بدونه لا جسمَ للوطن، لأَن روح الوطن الفاعلة تنبع من رأْسه القابض لا من قلبه النابض.
******
(*) أزرار 861