د. فراس الفهداوي الدليمي
الزمان، إنه يحمل مفتاح قلوبنا بيده، يرسم لنا هئية، ثم لا يلبث ان يمحوها .
يلعب بنا كما يلعب طفل بدميته ،وعندما يمل منها يحطمها .
في حضرته نمشي على بقعة من زيت .
تارة الألوان مفرحة وطوراً قاتمة .
تلك هي الحياة بمجملها .
حيرة في حيرة .
عجباً ، كم نتغير مع الأيام ، فليس هناك إيقاع ثابت لحياتنا ، ننظر أحياناً في المرآة ، فنجد شخصاً مختلفاً عنا.
نظن أننا مازلنا شباباً فإذا بنا نشيخ ، أن كل لحظة من اليوم تولد فينا مشاعر متناقضة، قد نشعر عندما نستيقظ صباحاً بنوع من الإرتياح ولكن سرعان ما تواجهنا الحياة بصلفها وانكسارها وهمجيتها.
ويشدنا الفجر إلى أن نعيش ذواتنا ، في العودة الى جو من الاستبطان الداخلي والتحركات الجوانية .
وعندما نحاول في الليل أن ننام ، بالعودة الى أٍرارنا الدفينة ‘ يرهقنا بالمخاوف والحسرات والذكريات.
يصف لنا الشاعر “ريفردي” في إحدى قصائده ، كيف يتحول الإنسان في لحظة واحدة من النقيض الى النقيض:
لقد تركت أحداً ما
بعيداً عني…
أو يقول:
الساعة التي تدق في البيت
هي بمثابة قلب
أن نكون افضل
او نقتل أحداً.
الزمان لا يرى ولا يرحم ، انه يجعلنا في لحظة ما نفرح ، وفي لحظة أخرى يزهق روحنا.
كل التواريخ خاطئة
يقول بلير رفيردي، لأن الأيام كلها متشابهة ولا نستطيع أن نميز بينها .
في الحقيقة إننا نشبه عابر سبيل ينام على الأرصفة ولايجد مأوى ، يعيش وسط اشباح من اشباهه ، هو رقم بين الأرقام لا يلبث ان يضمحل ويضيع في الزحام.
أن الحياة تمشي حسب هواها .
لا يستطيع المرء أن يزيح قيد أنملة من مسيرها ، ونحن إزاءها نتبدل ونتغير على الدوام ، ونفترق ونندمج .
إننا في الواقع نحيا دوامة التقلب والتحول .
كان بروست أول المبشرين بنظرية تفكك الشخصية البشرية.
ومع ذلك نرى صاحب رباعية الاسكندرية يقول:
إن الإنسان ليس “أنا” واحدة.
بل “أنوات” تختبئ في داخلها كل أنواع الخير والشر.
في الحقيقة كل منا يتقمص ادواراً مختلفة ، فنحن مع الحبيبة عشاق عاطفيون حالمون، لكننا في المنعطف الآخر كارهون، قساة معندون .
كما أن الألفاظ التي ننطق بها ، ليست دائماً معبرة عنا ، احياناً ننطق بها لا ارادياً ولا شعورياً ، وفي الصورة العامة .
المقابلة لحياتنا يتموه الواقع الصحيح .فننفدع عن منابع الألم الكامنة في أعماق النفس .
والذي يتأمل جيداً يفعل بين لحظة واخرى ، يجد ان تصرفاتنا وسلوكنا ونظرتنا الى الأمور لا تكفيها شخصيتنا.
كما يحلو لنا أن نعتقد.
بل وضعنا في الزمان والمكان فلكأننا في خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء.
في رباعية الاسكندرية للوريس داريل وفي الجزء “بالتازار” يقول بالتازار:
“وفي النهاية سيجد الإنسان ان كل شيء يصدق على كل إنسان “القديس والشرير”.
صديقان أقام لورنس داريل ( رباعية الإسكندرية ) على النظرية النسبية، وهذا شيء جديد كل الجدة في الرواية المعاصرة، لم يسبقه إليه أحد ، فهو يدعى أنه صمم بناء رواية “رباعية الاسكندرية” على الفرضية النسبية وأن كل جزء منها يمثل أحد الأبعاد الأربعة: الطول، العرض، العمق، والزمن . أي كلها تمتلك ثلاثة أبعاد مكانية وبعداً زمنياً واحداً تؤلف كلها معاً، مختلطة ، منسجمة، فكرة الاستمرارية أي:
كانت صورة القرون الوسطى عن الكون مؤلفة من ثلاثة أبعاد : العالم والجسد والشيطان.
“كل منها يستحق كتاباً” فأضفنا إليها نحن المحدثين بعداً رابعاً ، الزمن .
فرباعية الاسكندرية كما يعرف كل من قرأها.
هي القصة واحدة محكية بأربع طرق متبانية ، ومأخوذة من اربع زوايا مختلفة، أنها أربع عجلات تدور شرقاً وغرباً وشمالاً، إنما حول محور مشترك، وهي لا تقصد استعادة الزمن بل تحريره وخادع، وعكس الشخصة البشرية على مراياه، حيث يصبح ميدانا خصباً لشتى الميتات والولادة الجديدة.
في الحقيقة ان الزمن تجريدي وخادع ، ولا نستطيع أبداً الفرار منه .
انه يحيطنا من كل جانب.
كأنه هو المسرح ونحن الدمى ، يحركنا بخيوط من عل ويعبر عن افكارنا أكانت صحيحة أم غير صحيحة ، هذه هي لعبة العنكبوت ، ولا فكاك منها أبداً.