الدمام- عباس الحايك
برحيل الفنان المسرحي محمد إسماعيل، يفقد المسرح الإماراتي، خصوصاً، والخليجي، عموماً، وجهاً مسرحياً ترك بصمة واضحة في تطوير التجربة المسرحية في الشارقة، وامتدت مساهماته إلى عموم المسرح في المنطقة الخليجية، وكان أحد مؤسسي مسرح خورفكان.
ويتيح الحديث عن محمد إسماعيل وتجربته، تناول سيرة المسرح الإماراتي، الذي هو الآخر يعد من أكثر التجارب المسرحية نمواً في منطقة الخليج، ويسير بخطى حثيثة مدعوماً بكفاءات أكاديمية وخبرات محلية وعربية.
من رواد المسرح
مساء الأحد 14 سبتمبر 2014 ودع المسرحيون الإماراتيون والخليجيون الفنان المسرحي محمد عبد الله إسماعيل صاحب تاريخ مسرحي حافل بالإبداع والإخلاص للمسرح وصاحب ابتسامة دائمة، على ما يربو عن الخمسين عاماً، حيث شيع ودفن في مدينته خورفكان، تاركا وراءه حصيلة من الأعمال المسرحية التي سجلت في ذاكرة المسرح في الإمارات منذ تأسيسه.
ومحمد عبد الله إسماعيل، أو كما عرف فنياً باسم محمد إسماعيل، هو شقيق رئيس جمعية المسرحيين في الإمارات والأمين العام للهيئة العربية للمسرح الكاتب المسرحي إسماعيل عبد الله. وقد بدآ سويا في الدخول إلى عالم المسرح الذي أخلصوا له وأفنوا فيه عمراً.
كانت البدايات من مدينته (خورفكان) التي ولد فيها في ستينيات القرن الماضي ودرس في مدارسها، وكان من مؤسسي المسرح في هذه المدينة في سبعينيات القرن الماضي، إذ تشارك مع شقيقه في كتابة مسرحية “الخطأ وين” (1979) لفرقة مسرحية أسساها في المدرسة آنذاك، ومنها انطلق إلى عالم المسرح من أبوابه الواسعة، ممثلا وكاتباً ومخرجاً. وكانت آخر أعماله المسرحية كممثل “أنت لست كارا” (2013) للكاتب التركي عزيز نسين التي قدمت في أيام الشارقة المسرحية لفرقة مسرح الشارقة الوطني.
وكان محمد إسماعيل قدم مسرحيات لفرقة مسرح خورفكان الشعبي ومسرح الطليعة بخورفكان، ولفرق مسرحية أخرى في دولة الإمارات كفرقة مسرح الشارقة الوطني، مثل مسرحيته “غصيت بك يا ماي” تأليف شقيقه إسماعيل عبد الله لفرقة مسرح أم القيوين الوطني، “اللوال”، “ليلة مقتل العكبوت”، “غلطة وورطة”، “الرهان” وغيرها من المسرحيات التي أثبتت عشقه للمسرح والتصاقه بخشبته وعدم انجراره لإغراء الدراما التلفزيونية كغيره من فناني المسرح، وظل وفياً له.
توجه هذا العشق بعدد من الجوائز، أولها جائزة أفضل ممثل عن دوره في مسرحية “م.خ. لعبة الكراسي” من تأليف وإخراج يوسف خليل (1986)، جائزة أفضل ممثل في أيام الشارقة المسرحية بمسرحية “الرهان” (2011) لفرقة جمعية حتا للثقافة والفنون والتراث إخراج علي جمال.
وهذا التتويج كان نتيجة ما يملك من أدوات أدائية عالية ميزته كممثل، وجعلته مطلباً للفرق المسرحية للاستعانة بخبرته وبتميزه، وهو أيضا ما أبعده عن أن يكون نجما لابتعاده عن التلفزيون. وكان تميزه نابعاً من خبرته الطويلة في المسرح ومن الورش المسرحية التي انخرط فيها بداية من الورش التي تلقاها على يد المسرحي السوداني يوسف خليل الذي استطاع أن يطور من تجربته ويعرفه على تقنيات التمثيل، وأن يكتشف كوامن الإبداع فيه، وعلى مدى سنوات قدم للمسرح في الإمارات مسرحيات منها: “أبو زهرة في فمه”، “اللعبة”، “لا يا نهم”، “قردوس”، “فصول من عذابات الشيخ أحمد).
المتتبع لتجربة الراحل يلحظ وبشكل جلي قدراته التي تنم عن أداء خبير ومتمكن، حتى مع النصوص التاريخية المكتوبة باللغة العربية الفصحى وهو المتمكن منها، التي لا تعد عائقاً له عن أداء مبدع كغيره من ممثلين، كما أنه من الممثلين الذين ينغمسون في أدوارهم لدرجة ينسيك أن الواقف أمامك هو محمد إسماعيل صاحب النكتة والابتسامة، الذي يضفي على شخصياته بعض المرح وإن كانت شخصيات تراجيدية أو شخصيات شريرة.
وإضافة للتمثيل فقد قدم الراحل ثلاث تجارب إخراجية، أهمها “فطس غطس” التي أعدها عن نص “بستان الكرز” لأنطوان تشيخوف. وقد عد من الرعيل الثاني للحركة المسرحية في الإمارات التي بدأت في خمسينيات القرن الماضي، حيث كانت المدرسة انطلاقة المسرح بالتمثيليات التاريخية المدرسية التي تقام في الاحتفالات السنوية، مثل المسرحية التي شارك فيها ممثلا حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي “جابر عثرات الكرام” للشاعر محمود غنيم.
بدايات المسرح الإماراتي
ترجع البدايات الحقيقية للمسرح في الإمارات للعام 1963 حين تعاطف الشيخ صقر القاسمي مع فكرة إقامة مسرح التي أطلقها المسرحي العراقي واثق السامرائي، الذي عني بالمسرح وأخرج مسرحيات آنذاك، منها: “من أجل ولدي” و”سامحيني”، وتوالت بعدها العروض المسرحية التي توزعت في إمارات الدولة، حيث تأسست فرق وظهر جيل من المسرحيين الذين تحولوا في ما بعد إلى نجوم تلفزيون مثل: سلطان الشاعر صاحب الشخصية المعروفة “اشحفان”، جابر نغموش، محمد الجناحي، زريقة الطارش التي تعد من أوائل النساء اللائي اشتغلن في المسرح.
عام 1972 وفي سعي الدولة لتطوير الحركة المسرحية، استقدمت مسرحيين عرباً عملوا في المسرح وأخرجوا أعمالا مسرحية ودربوا مسرحيين أبرزهم: زكي طليمات، سعد أردش، صقر الرشود، إبراهيم جلال، المنصف السويسي، خليفة العريفي، عبد الكريم عوض، يوسف عيدابي، فتحي ذياب، يحيى الحاج، فاروق اوهان، الريح عبد القادر، الأمين جماع، فاضل الزغبي وبحر كاظم.
ولم يتوقف الاهتمام والرعاية على هذا الحد بل وصل إلى التأكيد على الثقافة المسرحية في المدرسة عبر المناهج والأنشطة اللاصفية، وبناء مسارح وصالات، ومعهد للفنون في الشارقة للتدريب وإقامة الورش، وإطلاق مهرجان بدأ محليا وتحول إلى تظاهرة فنية عربية، وهو “مهرجان أيام الشارقة المسرحية” التي كانت انطلاقتها الأولى في مارس 1984، ويعد من أقدم المهرجانات المحلية في منطقة الخليج، ساهمت رعاية حاكم الشارقة له والاهتمام الكبير به، إلى تحوله إلى جسر عبور المسرح في الإمارات إلى خارج الحدود، حيث يستضيف سنويا نخبة من المسرحيين الذين يقدمون ندوات فكرية ونقدية أسهمت في تطوير الحركة المسرحية ووصولها إلى مستوى الإبداع والتميز ووضع المسرح في الإمارات في الصفوف الأولى، إضافة إلى إصدار مجلات مسرحية متخصصة نقدية، مثل مجلة “المسرح” و”كواليس” التي تستكتب نقاداً عربا لتقييم المسرح في الإمارات وتصحيح مساره.
الشارقة والمسرح
وما يدل على إسهام الشارقة بالتحديد والإمارات بالعموم في المحاولات الجادة لتطوير المسرح العربي، هو تأسيس الهيئة العربية للمسرح في 28 أكتوبر 2007 بمبادرة من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وهي هيئة غير حكومية وغير ربحية تهتم بقضايا المسرح العربي وتواكب مستجداته. وتتخذ الهيئة من الشارقة مقرا لها.
من ضمن الأهداف الرئيسة التي تسعى إلى إنجازها النهوض بالعمل المسرحي العربي، وترسيخ الثقافة المسرحية، وإشهار الأعمال المسرحية الشابة، ودعمها وتبادل الخبرات والانفتاح على مختلف التجارب في فن الخشبة.
منذ إنشائها أقامت الهيئة ست دورات ضمن “مهرجان المسرح العربي” الذي يقدم في من كل سنة في إحدى الدول العربية، كان آخرها في الشارقة بمشاركة عروض مسرحية عربية، واستحداث يوم للمسرح العربي في 10 يناير من كل عام، حيث تختار شخصية مسرحية لكتابة رسالة اليوم. بالإضافة إلى المؤتمرات والندوات التي تقيمها، تصدر الهيئة مجلة فصلية “المسرح العربي” وكتبا في النص المسرحي والنقد والتاريخ المسرحي.
لا يمكن أبدا أن نتجاوز إسهامات الإمارات ومسرحها في المسرح العربي بعمومه، وكل فنان مسرحي إماراتي شريك في الإسهام، خاصة من الأوائل الذين تحملوا عناء البدايات، وحملوا على أكتافهم عبء تطوير هذا المسرح وخروجه من نطاقه المحلي البسيط، ومنهم محمد إسماعيل الذي لا أحد ينكر خسارة المسرح الإماراتي لشخصية بحجمه، فعلى المستوى الإنساني، خسر إنساناً يميل إلى لفكاهة والابتسامة وخفة الظل رغم مرضه، وخسارة على المستوى الفني.
سيترك رحيله فراغا خاصة في دورات “أيام الشارقة المسرحية” التي شهدت دوراتها السابقة مشاركاته المستمرة مع كتاب ومخرجين، في المقابل سيترك بصمة لا تمحى في ذاكرة المسرح في الإمارات، فسنواته في المسرح ستظل حاضرة خاصة لدى زملائه والمسرحيين الشباب من الذين اقتربوا من عالمه.