حازت الطالبة منى احمد الشرافي (منى الشرافي تيم) درجة الدكتوراه في اللغة العربيّة وآدابها (تخصص نقد أدبي حديث) من جامعة بيروت العربية عن أطروحتها في عنوان “الفن الروائي في ثلاثية أحلام مستغانمي (ذاكرة الجسد- فوضى الحواس- عابر سرير) دراسة تحليلية نقدية”، بإشراف الدكتور أحمد فارس، والدكتور بشير فرج. تكونت لجنة المناقشة من الدكاترة: نايف معروف، وجيه فانوس، أمين فرشوخ، محمد توفيق أبوعلي. مما جاء في ملخص الأطروحة:
احتلت الرواية العربية الحديثة مساحة شاسعة بين الفنون الأدبية الحديثة، حين تجاوبت بشكل أساس وفاعل مع التطور الثقافي والحضاري، وواكبت الحداثة، وأسست لنفسها منظومة فكرية، جمعت من خلالها بين مختلف العلوم الإنسانية. والفن الروائي هو مرآة المجتمع، تحكمه التحوّلات والتغيّرات الطارئة على القيم،
وتخضع من ناحية أخرى، للذوق العام ومتطلباته العصرية؛إنه الفن الذي يؤثر في الذوق العام، ويَسِمه بسماته، كونه فناً رائجاً اجتماعياً تحديداً، وهنا قد تحصل عملية التأثر والتأثير. وقد انخرط في هذا الفن روائيون كثر، اتخذوا مكانة رفيعة في العالم العربـي، منذ بدايات العصر الحديث، ومرت أسماء كثيرة، وقد اشتهر عدد كبير منهم شكّل كل منهم عالماً قائماً بذاته يفتح شهية الباحثين والدارسين.
أسباب اختيار موضوع الدراسة
الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، من أبرز المؤلفين في الرواية العربية الحديثة، الذين ذاع صيتهم في الوطن العربـي، خلال السنوات العشرين المنصرمة، وقد أصدرت روايتها الأولى “ذاكرة الجسد” عام 1993، ونالت انتشاراً واسعاً، وجمهوراً عريضاً، وشهرة لم يحظَ بها إلا القليل من الروائيين العرب. وقد أشاد بها الشاعر نـزار قباني. وحصدت العديد من الجوائز، أهمها وأبرزها: جائزة نجيب محفوظ للرواية عام 1998م.وتُرجمت الرواية إلى عدد من اللغات الغربية: الإنجليزية والإيطالية والفرنسية. وظلّت سنوات عدة الرواية الأكثر مبيعاً.
وبعد النجاح الكبير لرواية”ذاكرة الجسد”، أصدرت أحلام روايتها الثانية، “فوضى الحواس” كجزء ثانٍ، ثم “عابر سرير” كجزء ثالث، وبذلك اكتملت عناصر الثلاثية.
لقد أثارت روايات أحلام مستغانمي الثلاث جدالاً واسعاً، وحركة نقدية ناشطة، بين مستحسن، ومعجب، ورافض. استناداً إلى ما سبق، وأمام هذا الجمهور الواسع من القرّاء، وردود الفعل المتنوعة اللافتة، كان من المهم التوقف عند تجربة أحلام مستغانمي الروائية، التي أثارت في ذهني كثيراً من التساؤلات، وحفزتني إلى التفكير بالقيام بدراسة علمية أكاديمية تتناول الفن الروائي لثلاثيتها، وذلك انطلاقاً من النصوص، والعمل على تحليلها، وتشريح بنيتها، واستكناه أبعادها الإنسانية والفلسفية وشرحها، وذلك لأن العمل الروائي عمل متكامل، لا يستحسن تجزئته، أو فصل مكوناته بعضها عن بعض.
هدف الدراسة وإشكالياتها
هدفت الدراسة إلى جلاء كثير من الأمور المتعلقة بأحلام مستغانمي وثلاثيتها، من خلال الإجابة عن عدد من الأسئلة التي مثلت بمجموعها إشكالية الدراسة، أبرزها:
أولاً: الأسباب التي جعلت أحلام مستغانمي تلجأ إلى كتابة جزء ثان وثالث لرواية”ذاكرة الجسد”: وهذا الأمر أثار العديد من الأسئلة:
أ- هل كان النجاح الذي لاقته الرواية الأولى “ذاكرة الجسد”، هو الدافع الرئيس لإنتاج روايتي: “فوضى الحواس”، و”عابر سرير”، في جزءين مكملين للثلاثية؟
ب- هل تمكنت أحلام مستغانمي من خلال إنتاج ثلاثيتها، منح كل جزء منها استقلالية، ميّزته من غيره من الأجزاء؟
ج- هل تمكنت أحلام من خلال إنتاج الروايتين الثانية والثالثة، أن تظهر تطوراً على مستوى الموضوع والحدث والشخصيات والبناء؟
ثانياً: إلى أي مدى يمكن أن نعد ثلاثية أحلام مستغانمي توكيداً فنياً لمبدأ الانفتاح على العلوم الإنسانية والإفادة منها؟
ثالثاً: البحث في الأسباب التي أدّت بأحلام مستغانمي، إلى التنوع باستخدام الراوي الذكر في الروايتين الأولى والثالثة، والراوية الأنثى في الرواية الثانية؟ وهذا الأمر طرح بعض الأسئلة منها:
أ- هل كان السبب في ذلك ما شاع عن أن الكتابة النسائية ضعيفة بالمقارنة مع كتابات الرجال التي تُعدّ أكثر قوّة ومتانة وجرأة وصراحة؟
ب- هل اختلفت صورتا الرجل والمرأة حين كان الراوي ذكراً وحين كانت الراوية أنثى وكيف؟
رابعاً: ما هي الخصائص الأسلوبية والتقنيات الفنيّة التي اتبعتها أحلام في بناء نصوص ثلاثيتها لتحليلها والبناء عليها؟وبذلك تتكامل العلاقة بالموضوع، لأن مضمون العمل الروائي لا يمكن أن يتكامل من غير شكله الفني، فالشكل والمضمون متلازمان.
إن الإجابة عن هذه الأسئلة بشكل متكامل، رسم صورة موضوعية لفن هذه الكاتبة في ثلاثيتها.
لم تكن دراسة الفن الروائي لنصوص ثلاثية أحلام بالعمل الهين، بل تطلّب قراءة نصوص الثلاثيّة أكثر من خمس مرات، وذلك بسبب لغتها الشعرية المكثفة، وتشعّب الموضوعات التي تناولتها، واسترسالها في الذاكرة والتوغل في الماضي والتاريخ. وقد أثارت قراءاتي المتكررة العديد من التساؤلات التي استدعت للإجابة عنها تحليل النصوص وتفسيرها، وربط الأمور بعضها ببعض، وقادتني إلى كثير من الاستنتاجات والمقارنات التي حددت مسار الدراسة ونهجها. وقد تطلّب ذلك الاستعانة بعدد وافر من المراجع النقدية والمنهجية والنفسية والفلسفية والاجتماعية واللغويّة.
خطة الأطروحة
استدعت محاولة الإجابة عن التساؤلات السابقة بوضوح، ضمن دراسة أكاديمية متكاملة، تقسيم الأطروحة إلى ثلاثة فصول:
الفصل الأول: التفاعلات والتعالقات النصية في نصوص ثلاثية أحلام مستغانمي.
عالج هذا الفصل علاقة نصوص ثلاثية أحلام بغيرها من النصوص وانفتاحها عليها، وسعى للوقوف عند ظاهرة التداخلات والتفاعلات النصيّة، أي التناص بما هو توالد النص من نصوص أخرى، أو تداخله معها. ومساحة هذه التفاعلات، ومدى إفادة أحلام مستغانمي من هذه الظاهرة.
الفصل الثاني: الأبعاد الفلسفية والإنسانية والنفسية والاجتماعية في نصوص الثلاثية
بحث هذا الفصل في العلاقة بين الأدب وبين العلوم الإنسانية، فهي علاقة يحكمها التكامل فيما بينهما، مع محاولة الكشف عن مدى حرص أحلام مستغانمي على إظهار العلاقة الوثيقة، التي تربط بين الآداب وبين سائر العلوم الإنسانية في نصوص ثلاثيتها.
الفصل الثالث: التحليل الفني لنصوص ثلاثية أحلام مستغانمي وخصائصها الأسلوبية.
عالج هذا الفصل القيمة الأساسية للفن، التي تمثلت في طريقة التعبير عنه، وذلك من خلال اللغة التي هي الأصل في تكوّن العمل الفني الأدبـي، والوعاء الذي ينقل المادة الفكرية والشعورية إلى المتلقي. وهذا الأمر يتمثل في الأسلوب الذي اتبعته الكاتبة، في رسم معالم رواياتها، من خلال عناصرها الرئيسية المتمثلة في السرد والحوار وعنصري الزمان والمكان، وفِعالية الشخصيات والراوي، وبناء الأحداث، وتسلسلها، فضلاً عن الدلالات الشعرية وأبعادها الإيحائية والخيالية، والوسائط التعبيرية البلاغية، المستخدمة في تحريك الصور الخيالية، التي سجلت الانفعالات على اختلاف أشكالها وتفاوت مستوياتها.
منهج البحث
اعتمدتُ في هذه الدراسة منهجاً تكاملياً جمع بين بعض المناهج، وذلك لأن الوقوف عند النص الروائي وتحليله وتشريحه وتفسيره واستنطاقه، بحاجة إلى تضافر جميع العوامل الفنية والنفسية والاجتماعية والوصفية لخدمة النص، والتعامل معه وفق حدوده، والأطر التي يقدمها، بالإضافة إلى مقاربة النص من ناحية أنه فكر وفن.
لقد أسهمت هذه الدراسة، في تسليط الضوء، على شكل من أشكال الفنِ الروائي الحديث في الوطن العربـي، وأضاءت جانباً مهماً من جوانب الحركة الأدبية العربية المعاصرة. من خلال ما توصلتْ إليه من أجوبة عن الكثيرِ مما أثارتْهُ الكاتبة ورواياتها من أسئلة، وما تمخضت عنه الدراسة من نتائج.
*******
بالاشتراك مع aleph-lam
www.georgetraboulsi.wordpress.com
أباركــ للروائية والناقدة المتألقــۃ د.منى الشرافي تيّم نيلها درجــۃ الدكتوراة في شئ هام جداً ونحتاجه بشدّة ألا وهو النقد اﻷدب (المتخصّص المبني على أسس ومعايير علمية لا تعتمد فقط على ذوق الناقد ومزاج السوق والصحافة ) وأباركــ لها أيضاً رسالتها المتميزة..أنا من جمهور أ.مستغانمي ومن المحبين لشخصها ولكن لا أرى أن الموضوع بهذه الحساسيۃ التي تروج لها بعض الجهات القاصرة النظر .. حد جعلها قطيعۃ أدبيۃ وفصل بين الطرفين..فالنجاح الروائي له عدة أضلاع وعدة زوايا وما النقد المتخصص إلا ضلع واحد من أضلاع كثيرة منها الجمهور واﻹنتشار والقيمۃ التاريخيۃ للعمل …إلخ وهذا قد توفر للثلاثيۃ وخصوصا ذاكرة الجسد التي هي روايۃ لها مكانتها في وجدان المتلقي العربي وواسعۃ اﻹنتشار بشكل كبير جداً وتعالج موضوعا تاريخياً مهماً..قد تكون الرۇية النقدية ل د.تيم لا تصب في مصلحة أ.مستغانمي ككاتبة.. ولكنَّها لايمكن أن تقلل أبداً من قدرها ككاتبۃ لها قطار السبق في أشياء كثيرة منها أسلوبها الروائي وشخصيتها السهلۃ والمحببۃ للجمهور وحضورها اﻵسر على عكس كثيرين من الكتَّاب.. ولايمكن أبداً أن تزحزح المكانة التي وجدتها الثلاثيۃ خصوصاً ذاكرة الجسد التي لامست وتراً حسَّاسا في قلب القارئ العربي.. وتظل القيمۃ الشعبيۃ التي وجدها هذا العمل الركيزة الكبرى في دعامات النجاح له وﻷي عمل مماثل..فليست مثلاً أطلال أم كلثوم وإبراهيم ناجي بالعمل الخارق جداً ولكن مكانتها في قلب المتلقي هي ما جعل منها أن تصنَّف من قبل الكثيرين على أنها أفضل أغنية عربيۃ..وكذلك جيكوندا دافنشي قد يراها ناقد متخصص أنها لوحة عاديۃ لفتاة عاديۃ وأن هناك كثير من اﻷعمال أفضل منها لكنها تظل بمكانتها لدى جمهور الفن هي اﻷفضل واﻷكثر شهرة وهكذا..
وختاماً أهنئ الناقدة منى الشرافي تيّم على جرأة إختيارها ﻷن إختيار عمل مدلل كهذا مجازفۃ كبيرة منها..وأشكر مجهودها عليه..كما أهنئ أ.أحلام على ثلاثيّتها الراسخة والقوية في وجدان القارئ العربي وغدا اﻷجنبي بإذن الله..ودمتما بخير..من حقنا أن نفخر بكما فاﻷدب القوي الجميل لا يأتي إلا من النقد القوي اﻷمين والجميل أيضاً وكلاكما كان قويا وجميلا..
عفراء حامد المُعلا / السودان مدينة سنّار
عذراً بعض الجهات قاصرة النظر