صفاء الذئاب

الشاعر الأردني حسن منصور

hasan mansour

صافِ من شئتَ أو فقاطِعْ وَجافِ
عـيْــشُنا كلُّـه صــراعُ اخـتلاف
صاف من شئت ليس شيئاً عجيباً
أن نلاقيك ســـاعـياً للــتصافــي
فالجـــفــا والخــصام داء ونــار
تحرق القلب والضلوع الخوافي
وصفــاء النفــوس طــبع أصـيل
في نفوس كريـــمة الأوصـــاف
كيف يصفو الضمير والقلب يرضى
وظلام الجــفـاء مِلْءُ الشّغاف
صافِ أحـبابَك الأعــزّةَ واهْــدَأ
فالتصافي هو الــدّواء الشـــافي
أيُّ شـمسٍ جـــميلةٍ بعــد غـــيمٍ
أي نـــورٍ وأي جــــوٍّ دافــــي!
أيُّ سِحـــرٍ وأيّ لحــنٍ شــجيٍّ
خــارج مـن شعــاعها الرفّــاف
****
إنمـا في زماننا لسـت أدري
كيف يرجى الوفاء من غــير واف
قدعرفــنا الزمان لكن جَهِـلنا
كـيـف تصـفــو ذئابـُـه للخـراف!
ومتى كان للــذئابِ شعــورٌ
أو ضمــيرٌ يسعى إلى الإنصاف
أو حـــياءٌ أو ذمـّـة ٌوعهــودٌ
أو قـلـوبٌ أو رحـمةٌ بالضّعاف
كيف ترجو الخِرافُ وُدَّ ذئابٍ
كيف تسعى إلـيه في إسـراف
كيف يختارالكبشُ جلداً صفيقاً
ليـس فـيه حرارة الأصواف
كيف ينسى حقـيقةً قــيلَ فـيها:
(كلُّ فـردٍ مع جنسِهِ في ائتلاف)
خــلع الكـبشُ جـلــدَه ورماه
بعــد رَمْيِ القـرونِ والأظلاف
فـأقامـت لـه الذئاب احـتفالاً
وكـَسَتْه مــن جـلــدها بلـحـاف
وأمــدّته بالمخالــب والنــّـــــا
بِ، وقــالــت هيّا إلى الأهداف
امضِ توّاً إلى الرّفاق القدامى
واجْـتـَـذِبْهُم بالعشب والأعلاف
فإذا أُتْخِموا وصاروا سكارى
يخـلـطون الصّحـيحَ بالإسفاف
فاقتلعْ من رؤوسِهم كلَّ قرْنٍ
فهي عــندَ الــنّطاحِ كالأسـْـياف
وإذا ما أفــاق منهــمْ مُفــيقٌ
أوْ ثغــا في آلامِــه وهــو غـاف
فَاسْـقِـه جـرعــةً تعـيد إلــيه
راحــةً في مــنامه المُـتــجـافي
هـكذا تزرع السلامَ وتجـني
ثمـراً يُستـطاب عـند الـقـطاف
وتكون الزعــيمَ دون صراعٍ
بعـدَ كسْـرِ القــرونِ والآنـاف
وسـنأتيك كي نعيشَ ســويّاً
في ظـلال الجـبال والأريـاف
وبـنا تعـمُرُ البراري وتـزهو
لا بضأن من الخراف العجاف
وجميع القـرون حــين تراها
لا تـــدَعْ واحــداً بـلا إتـلاف
والقرون التي ستشطأ فيهم
فهي شـرّ، وأمْرُها غـيرُ خاف
كن دلـيلاً لنا علــيها بحزم
لـنرى أنك الــزعـيـم الــكافي
****
أصبح الكبش صاغراً لا يُماري
وتمادى في الظلم والإجحاف
فهو عند الذئاب كبشٌ ضعيف
وهو بين الخراف ذئب الفيافي
خان أهلاً ذوي قرون طوال
وجزاهم بالغـدر والإخـلاف
خان بيتاً آواه وهو شريف
وانتهى يبغي نكبة الأشراف
وإذا ما رأى خروفاً سميناً
كادَ كـيداً لــذلك المُــتَعـافي
فهو صَيدٌ كفى الذئاب عناه
وهو يُهديهم لحمَه في صحاف
يا له من كبش شديد التفاني
سار في دربه بغير ارتجاف
قتل القومَ غـيلة وهو فيهم
فهو في البغي دان بالإنصاف!
أطبقت تلكم الذئاب عليهم
وَلَـغَــتْ في الــدمـاء بالآلاف
حَبَستْ أمّةَ الخراف بعــيداً
بين رمل الصحراء والأجراف
واستتبَّتْ لها الأمور وفازت
بالـبراري، سهولِها والشعـاف
والخراف التي نجت من جحيم الــ
ــقتل فرّت إلى جحيم المنافي
ظل هذا الكبش الخئون وحيداً
مــعـه حــفـنة من الأجـلاف
أنجزوا ما أريد منهم فكانوا
كبَغِـيٍّ تفــيق بعـــد اقـتراف !
يتــباكـَوْنَ إذ رأوْا أنـّـه مــا
عـادَ شيءٌ لدى الذئابِ الجوافي
خشيَ الكبشُ غدرَهم فسعى يبـ
ـغي الرضى في تذلـُّـلٍ وازْدِلاف
فاجَأتْه الذئابُ من كلّ صوبٍ
واسـتقــرّتْ في بيــتِه الشفـاف
أيُّ بيتٍ وأيُّ صاحِـبِ بيـتٍ
غنموا زَوْرَة الضّيوف الظّرافِ!
*****

من المجموعة الحادية عشرة: ديوان (أواخر الصيف) دار أمواج 2014م

اترك رد