الأديب الأردني هاني الهندي
مخطئ من يعتقد أن القصة القصيرة تنتهي بانقضاء فترة زمنية معيّنة، فالأدب لا تنتهي صلاحيّته أو فعاليته، ولا يعرف الانغلاق والجمود، فما زالت الموشّحات الأندلسية ومقامات الحريري ورواية زينب وقنديل أم هاشم والكثير من الإبداعات الأدبية المختلفة التي لم تنته صلاحيتها.
وإذا كانت حركة التجديد والتطوير ظهرت بشكل واضح في الشعر فان لها بصمات واضحة في القصة القصيرة سواء في شروط القصة أو عناصرها، هذا التجديد يتحكّم فيه المبدع حسب ثقافته وقدرته اللغوية والأسلوبية . فالقصة القصيرة بألف خير وان كان نصيبها من النقد قليل مقارنة مع الشعر والرواية ، قد حاول بعض النقّاد اســتخراج شهادة وفاة لها كشكل محوري في الثقافة العربية ، مع دعوتهم لإقامة حفل تأبين وإغلاق ملفها بزعم انغلاقها وعجزها، لصالح الرواية.
مقابل هذه الدعوة التدميرية، فإنني أدعو معلّمي اللغة العربية في مدارسنا إيلاء هذا الجنس الأدبي بالرعاية والاهتمام، من خلال صقل مواهب أبنائنا الطلبة ضمن المنهاج المخصص لهم . فالقصة القصيرة ترفض عقد دورات تعليمية لكتابتها لكنها تعشق من يحميها ويدافع عنها، لأنها فن ممتع وجميل يرتكز على الموهبة أولا ، ثم تأتي عملية التوجيه والإرشاد، والتي غالبا ما يقوم بها معلم اللغة العربية داخل الصف وخارجه، خاصة إذا وجد من بين طلاّبه من له ميلا نحو القصة أو أي إبداع أدبي آخر.
على المعلّم المؤمن برسالته أن يتابع الطالب الموهوب، ويشجّعه للاستفادة من مكتبة المدرسة والمطالعة الخارجية في الشعر والقصة، مع متابعة التلخيصات التي يقوم بها الطالب في دفتر ثمرة المكتبة، ويوضّح له أن لكل قصة فكرة وهي ما يهدف إليها القاص من قصّته، والقاص الجيد من استطاع توصيل فكرته بطريقة غير مباشرة من خلال سرد الأحداث وتسلسلها حتى نهاية القص.
يختار المعلم بعض القصص التي تناسب الفئة العمرية للطالب ويطلب منه قراءتها ثم يناقشه في الفكرة العامّة لكل قصة مبينا أسلوب القاص والصور الفنية والأدبية التي استخدمها مع عناصر التشويق والإثارة . وفي بعض الأحيان يقوم المعلم بكتابة مقدّمة لقصّة يطلب إلى الطالب أن يكملها بأسلوبه الخاص، ومن ثمّ يقوم بمراجعتها مع الطالب ووضع ملاحظاته التوجيهية مصحوبة بعبارات الشكر والثناء التشجيعية .
وفي المرحلة النهائية يقوم المعلّم بتوضيح عناصر القصة وشروطها قبل أن يطلب من الطالب توضيحها في بعض النماذج القصصية، ففشروط القصة كما هو معروف توفر المقدّمة والعقدة والحل، وفي المقدّمة يتم التعريف بالجو العام لفهم السياق، وفي العقدة يبدأ التأزّم والمفاجأة التي تخلق التوتر في نفس المتلقي، ومع تسلسل الأحداث ينمو الصراع حتى تصل التأزّم فتتجه نحو الحل.
أما عناصرها التي لا يمكن أن تستغني عن واحدة منها فهي:
1ــ الشخصيات التي ترتبط بالحدث وتتفاعل معه، هذه الشخصيات قد تكون الزمان أو المكان وقد تكون من مخلوقات الله بالإضافة إلى الإنسان .
2ـــ الحكاية : وهى سلسلة الأحداث التي يقوم القاص بترتيبها بنسق خاص لتغدو قريبة من الواقع لجذب المتلقي .
3 ــ الحبكة : وهي طريقة البناء التي تسير عليها القصة، حيث تندفع فيها
الشخصيات والحوادث حتى تبلغ القصة الهدف في تسلسل منطقي دون أن تحس أنها مفتعلة .
4 ــ البيئة : ونقصد بها الزمان والمكان، فكل حدث يحتاج إلى بيئة مناسبة تساعده على النمو، هذه البيئة يجب أن تكون محصورة بخلاف الرواية التي يتمدد فيها الزمان والمكان، وإذا وجد التمدد في القصة القصيرة فلا يكون إلا من خلال المنولوج الداخلي .
5 ــ الفكرة : وهي باختصار ما يهدف إليه القاص من قصته.
6 ــ الأسلوب واللغة : وهو عملية السرد لنقل الحدث من الصورة المتخيّلة إلى
صورة لغوية جميلة بواسطة الألفاظ والصور، ويمكن أن يكون السرد بطريقة
مباشرة يكون فيها القاص راويا ومؤرخا للأحداث يسردها من الخارج، وربما
يكون السر ذاتيا بحيث يتقمّص القاص شخصية البطل ويسرد الحوادث بضمير
المتكلّم.
هذه هي الخطوط العريضة للقصة القصيرة أضعها باختصار بين أيدي معلمي اللغة العربية في مدارسنا أرجو الإفادة منها لحماية القصة القصيرة